متى لاح رسم الدار من طلل قفر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

متى لاح رسمُ الدار من طلل قَفْر

​متى لاح رسمُ الدار من طلل قَفْر​ المؤلف عبد الغفار الأخرس


متى لاح رسمُ الدار من طلل قَفْر
فلي زفرةٌ تذكو ولي عَبْرةٌ تَجري
ذكرت الهوى يوماً بمنعرج اللوى
ولا بد للمشتاق فيه إلى الذكر
سقى الله عهداً في النعيم وحاجر
وجاد على أرجائها وابلُ القطر
وحيّى بصوب المزن في الحيّ منزلاً
لي العذر فيه من رسيس الهوى العذري
وأيامنا الّلاتي قَضَت باجتماعها
تصبَّبَ من عينيَّ ما ليس بالنزر
وإنّي لمطويّ الضلوع من الجوى
على لاعج برحٍ احرَّ من الجمر
كأنَّ التهاب البرق يُبرِزُ لوعتي
ويُبْرِزُ للأبصار ما كان في صدري
ولم أدرِ ما هاج الحمام بنوحه
فهيَّجَ أشجان الفؤاد ولا يدري
كأنّي به يشكو الفراق على النوى
ولا غاب عن أنفٍ ولا طار عن وكر
أحبَّتَنا هل تذكرون ليالياً
لنا في الحمى كانت تعدُّ من العمر
تطوف علينا الكأسُ من كفِّ أغيد
كما ذكر قرن الشمس في راحة البدر
تحدِّثنا عن نار كسرى لعهده
قديمةُ عهدٍ بالمعاصير بالعصر
فحيّى بها أحوى من الغيد أبلجٌ
مُذاباً من الياقوت تبسم عن درّ
وقلت لساقيها وريدك بالحشا
فقد زدتني بالراح سكراً على سكر
بربِّك هلْ أبصرت منذ شربتها
ألذَّ لطيب العيش من قدح الخمر
وندمان صدقٍ تشهد الراح أنَّهم
إذا سكروا أحلى من السكر المصري
هنالك أعطينا الخلاعةَ حقَّها
وقمنا إلى اللّذات نعثر بالسكر
إلى أنْ بدا للصبح خفقٌ بنوده
وطار غراب الليل عن بيضة الفجر
وغارت نجوم الليل من حسن معشر
خلائقهم أبهى من الأنجم الزهر
بَلَوْتُ الليالي عُسْرَةً بعد يسرة
وكم ذقت من حلو المذاق ومن مر
فما أبلت الأيام جدَّةَ عزمتي
ولا أخَذَتْ تلك الحوادث من صبري
إذا لم تكن لي في النوائب صاحباً
فما أنتَ من خيري ولا أنتَ من شري
وليس تفي مثل الصوارم والقنا
إذا عبثت أيدي المودّات بالغدر
إذا أنا أنفيتُ الهوان بمنزلِ
تركت احتمال الضيم فيه إل غيري
وما العزُّ في الدنيا سوى ظهر سابح
يقرّب ما ينأى من المهمة القفر
سواءٌ لديه الوعرُ والسهل إنْ جرى
وَلَفَّ الرُّبا بالسَّهلِ والسَّهلُ بالوعر
تعوَّد جوبَ البيد فاعتاد قطعها
فأنْجَدَ في نجد وأغوَرَ في غور
عتيقٌ من الخيل الجياد كأنَّه
لشدته صخرٌ وما قدَّ من صخر
وناصيته ميمونة منه أعْلَنَتْ
بأنَّ لها فيه مقدمة النصر
وإنَّ جياد عندي هو الغنى
وليس الغنى بالمال والبيض والصفر
وأشْهَبَ يكسوه الصباح رداءَه
كما أشرقَ الإسلام في ملَّة الكفر
أبى أن يشقَّ اللاحقون غباره
فكالبرق إذ يهفو وكالريح إذ تسري
إذا ما امتطاه رفعتٌ وجرى به
رأت أعيني بحراً ينوف على بحر
أعدَّ له عند الشدائد عدَّةً
وأرصده فيها إلى الكر والفر
فتى المجد من أهل الصدارة في العلى
وليس محل القلب إلاّ من الصدر
تناظرُ جدواه السحائب بالندى
وأنّى له جدوى أنامله العشر
إذا جئته مسترفداً منه رِفْدَه
فنل منه ما تهوى من النائل الغمر
وحسبُك من أيدٍ تدفَّق جَورُها
وناهيك من وجه تَهلَّل بالبشر
كما سقت المزن الرياض عشيةً
فأصبحَ زهر الروض مبتسم الثغر
بياض يدٍ تندى ومخضرّ مربع
تروق برغد العيش في الخطط الغبر
وما زال موصول الصلات ودأبه
من البرّ أنْ يسديه برّاً إلى بر
مكارمه لا تترك المال وافراً
وهل تركت تلك المكارم من وفر
وما ادّخرت للدهر مالاً يد امرئٍ
يُعدُّ الثناءَ المحض من أنفس
كما لم يَزَلْ يُرجى لكل ملمة
ويعرف فيه الأمن في مواطن الذعر
ولا خير في عيش الفتى وحياته
إذا لم يكن للنفع يرجى وللضرّ
له المنطق العذب الذي راق لفظه
رمى كل منطق من الناس بالحصر
فلا ينطق العوراءَ سُخطاً ولا رضىً
قريبٌ من الحسنى بعيدٌ من الهُجْر
سواء إذا أثرى وأملَقَ جودُه
جواد على الحالين في العسر واليسر
صبورٌ على الأيام كيف تقلَّبت
جليدٌ شديدُ البأس فيها على الدهر
وقد أخْلَصَتْه الحادثات بسبكها
فكان بذاك السبك منخالص التبر
إذا ما حَمِدْنا في الرجال ابن أحمد
فعن خالص في الود بالسر والجهر
يعطّر أرجاءَ القوافي ثناؤه
وربَّ ثناءٍ كان أذكى من العطر
نشرنا له الصُّحفَ التي كان طيُّها
على طيب ذات فيه طيبة النشر
ولي في أبيه قبلَه وهو أهْلُها
محاسنُ أوصاف تضيق عن الحصر
فيا أيّها المولى الذي عمَّ فضله
لك الفضل فاسمع إن تكن سامعاً شعري
خدمتُك في حُرِّ الكلام مدائحاً
فقال لسان الحال يا لك من حر
وقد راق شعري في ثنائك كلُّه
ألا إنَّ بعض الشعر ضرب من السحر
فخذها منالداعي قصيدة أخرس
عليك مدى الأيام تنطق بالشكر
تريني لدى علياك ما قد يسُّرني
وترفع قدري فيك يا رفعت القر