ما حيلة المفئود في حساده

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ما حيلَةُ المَفئودِ في حُسّادِهِ

​ما حيلَةُ المَفئودِ في حُسّادِهِ​ المؤلف إلياس أبو شبكة


ما حيلَةُ المَفئودِ في حُسّادِهِ
إِمّا اِستَبَدَّ بِهِ طَغامُ بِلادِهِ
صَدَمَتهُ عاصِفَةُ الزَمانِ فَقَوَّضَت
بَيتاً بِناهُ عَلى رَجاءِ فُؤادِهِ
بَيتاً أَوَت فيهِ مَواكِبُ وَحيِه
وَتَمَشَّت الأَحلامُ بَينَ عِمادِهِ
قَصَدَته آمالُ الشَبابِ وَطالَما
كانَت عَذارى الحُبِّ من قُصّادِهِ
حَوِّل عُيونَك عَن مُشاهِدِه فَلَم
تُبقِ الحَوادِثُ مِنهُ غَير رَمادِهِ
ما شادَهُ ربُّ التَساهُل وَالوَفا
إِلّا لِيَهدِمَهُ عَلى عبّادِهِ
أَوَلَستَ تَسمَعُ كَيفَ يُنشَد مثخنٌ
تَتَصاعدُ الزَفراتُ مِن إِنشادِهِ
هذا فُؤادي تُستَباحُ دِماؤُهُ
مُستَقطراتٍ من جِراحِ ودادِهِ
قالَ الحسودُ غداةَ أَبصَرَ مَدمَعي
يَجري بِهِ بَصَري بِملءِ سوادِهِ
هذا ضَعيفٌ لا يَميلُ بِهِ الهَوى
إِلّا وَيعزفه عَلى أَعوادِهِ
يا عاذِلي لَيسَ اِعتِقادُك مُحكَماً
بِالشاعِرِ الباكي عَلى أَمجادِهِ
فَالشِعرُ لَو أَدرَكتَ وَحي حَقيقَة
وَالشاعِرُ الرَسّامُ طوعُ قِيادِهِ
لي مَوطِنٌ عاثَت بِهِ أَولادُهُ
فَبَكَت حُشاشَتُهُ عَلى أَولادِهِ
يَحيا أَمامَ عُيونَهُ جَلّادُه
وَيَموتُ لاثمَ قَبضَتي جَلّادِهِ
نَظّارُهُ وَهُمُ شعاعُ عُيونه
يَتَطَوَّعونَ اليَومَ لاِستِعبادِهِ
جُبَناءُ لا يَتَقَيَّأونَ بِحُكمِهِم
إِلّا مُراعاةً لَدى أَسيادِهِ
لا بَأسَ عِندَهُم إِذا لَعِبت بِهِ
أَفرادُه وَأذاهُ من أَفرادِهِ
فَهم الذِئابُ وَفي سَبيل وَظيفَةٍ
تَمشي أَظافِرُهُم عَلى أَكبادِهِ
لَهفي عَلى وَطَنٍ تُضامُ أُباتُهُ
وَيَسودُ فيهِ النَذلُ بِاِستِبدادِهِ
لَبِستُ غَرابيبُ الغِنى أَبرادَه
وَتَجَنَّدَ المُثريُّ لاِستِشهادِهِ
في مَوطِني شَعبٌ يَبيعُ بِفضَّةٍ
شَعباً يُقيمُ عَلى رُبى أَجدادِهِ
يَجتَرُّ عَن ظَمَأٍ نطافَ دمائِه
وَيريشُ نبلته عَلى أَجسادِهِ
مَن يَستَرِق قَوماً يَعيشُ بِمالِهم
فَلتَبصُقِ الدُنيا عَلى أَلحادِهِ
اعروسَ شعري يا صَدى قَلبي الَّذي
حالَت عَبيدُ الظُلمِ دونَ جِهادِهِ
كوني شُعاعاً في سَراج صَبابَتي
فَالناسُ عامِلَة عَلى إِخمادِهِ
كوني حُساماً لا يَملُّ غرابُه
لِتَخُلِّصي المَسجونَ من أَصفادِهِ
وَاِمشي بِأَعصابِ الحَقودِ وَأَضرِمي
نارَ السَلامِ تدبُّ في أَحقادِهِ
وَتَبَسَّمي لدمٍ أُذوِّبه على
قَلَمي الَّذي خَلَّدَتهُ بِمدادِهِ
وَكَما هَديتِ أَبا نواس إِلى العلى
فَاِهدي فُؤادي فهوَ من أَحفادِهِ
في صَوتِكِ الساجي لبانة عامِل
يَسمو بِها في الحُزنِ عَن أَضدادِهِ
ما لامَسَت قَلبي سحابَةُ علةٍ
إِلّا وَكانَ غناكِ من عَوّادِهِ
أَعروسُ شِعري في بِلادي نزوَةٌ
سَلَبت مِن المَفئودِ عذبَ رُقادِهِ
لُبنانُ يرضى شوكِه تاجاً لَهُ
وَيُذيبُ نقمتهُ على أَورادِهِ
كَم في رُبى لبنان من مُتَشاعرٍ
نامي الفَسادَ مُفاخِرٍ بِفَسادِهِ
يملي الَّذي أَملاهُ غَيرُ يراعه
وَيَقولُ ذا شعري ووحيُ رشادِهِ
أَيَعيشُ في الماضي وَيَترك غَيرَه
يَبني الجَديدَ عَلى رُسومِ بِلادِهِ
وَيُفاخِرونَ بِهِ لِأَنَّ نسيجَه
كَنَسيجِهِم وَمُرادُهُم كَمُرادِهِ
فَهم الَّذين يُقَدِّسونَ قَديمَهُم
لا يَترُكونَ الرَثَّ من أَبرادِهِ
لا يَفتَأونَ يردّدونَ بِجَهلِهِم
ما تنتنُ الآذانُ من تردادِهِ
أَينَ الأُلى رَفَعوا أَريكَةَ عزِّه
وَبَنوا مَغاني المَجد فَوقَ نجادِهِ
الجالِسونَ عَلى عروشِ جَلالِهِ
وَالمالكونَ عَلى ذُرى أَطوادِهِ
اللابسونَ بسطوةٍ أَبرادَهُ
وَالمُضرِمونَ البَأسَ في أَجنادِهِ
ذَهَبوا وقد بَذروا سَنابِل زرعِهِم
فَتَسارَعَت غِربانُنا لِحِصادِهِ