ما ترى غير ذكريات بواق

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

ما ترى غير ذكريات بواق

​ما ترى غير ذكريات بواق​ المؤلف جبران خليل جبران


ما ترى غير ذكريات بواق
من عيون الآداب والأخلاق
أفل الفرقد الذي كان يجلوها
سناء فآذنت بلحاق
وإذا ما طفاوة النجم بانت
تبعتها مباهج الإشراق
يا حسين النبيل في كل معنى
والكرم الأصول والأعراق
عاقني الدار عنك يوتم توليت
وما كنت عنك بالمعتاق
فالصبا مقعي وموكبك الذخار
يمشي في قلبي الخفا
ما كفتني معجل السوء أيامي
وما من مؤجل السوء واق
كيف لم تدرإ الفضائل ما رحت
تعاني من الأذى وتلاقي
شرب الطالحون عذب زلالا
وشربت القذى بكأس دهاق
إن موتا والعيش ما زال منصورا
شهي الحيي لمر المذاق
أي غبن أن يقصب الغصن مخصلا
طريف الأزهار والأوراق
وشجي أن يمر بالكوكب الساطع
ظل فيبتلي بالمحاق
لا اعتراض على القضاء ولكن
أشد الأحكام حكم الفراق
كان للأعين ابتسامك نورا
فقدته فماؤه غير راق
وبنا بالآذان أشهى سماع
بعد ألفاظك اللطاف الرقاق
قل من عاش مثل ما عشت
في أنزه حال عن ريبة ونفاق
والتماس لوجه ربك في
إسعاف ذي علة وذي إملاق
وابتغاء لكل أمر عظيم
لم يذعه الطنين في الآفاق
ظلت سباق غاية بعد أخرى
في المعالي فديت من سباق
في الحياة الدنيا إلى المجد راق
وإلى الله في المنية راق
تهيء الخلد صورة كملت
زيناتها من جلائل ودقاق
نزعها المنون نزعا أليما
من سواد القلوب والأحداق
سلخ التوأم الحبيب فماذا
حل منه بصنوه المشتاق
وهما منذ قدرا في ضمير الدهر
حلفا هوى وإلفا عناق
إنعزى أخاه عنه وما
نملك حبس الدموع في الآماق
ويسير في ذلك الحزن ما ينقص
من برحه اقتسام الرفاق
ما له في مصابه غير عون الله
واللطف منه والإشفاق
والعلاج الأكفى إذ الجرح أشفى
في اعتصام المخلوق بالخلاق
فليطب في جوار مولاه شيرين
ويأخذ من فضله بخلاق
إنه كان مؤمنا وأمينا
ووفيا بالعهد والميثاق
أي تقوى وأي دين ودنيا
حملت نعشه على الأعناق
أجملوا يا مودعيه فما حال
تنائيه دون كل تلاق
إن يفتكم وجه العزيز المولى
لم يفتكم وجه العزيز الباقي