انتقل إلى المحتوى

ليالي الحمى ما كنت إلا لآليا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

لَيالي الحِمَى ما كنتِ إلاّ لآليا

​لَيالي الحِمَى ما كنتِ إلاّ لآليا​ المؤلف صفي الدين الحلي



لَيالي الحِمَى ما كنتِ إلاّ لآليا،
 
وجيدُ سروري بانتظامِكِ حاليَا
قرنقَ منكِ الدهرُ ما كانَ ريقاً،
 
وكدرِ منكِ البعدُ ما كان صافياً
وقد كنتُ أخشَى من تَجافي أحبّتي،
 
فلَمّا فَقدناهم، وَدَدتُ التّجافِيا
ومَن لي بصَدٍّ منهُمُ وتَجنّبٍ،
 
إذا كان منّا مَنزِلُ القومِ دانيِا
لقد أرسلَتْ نحوي الغَوادي من الحمى
 
روائحَ أرخصنَ الكبا والغواليا
وما أذكَرَتني سالفاتُ عُهُودِهم،
 
تذكرُ بالأشياءِ من كانَ ناسيا
وأغيدَ رخصِ الجسمِ كالماءِ رقة ً،
 
أكابدُ قلباً منهُ كالصخرِ قاسيا
كثيرِ التجنّي لستُ ألقاهُ شاكراً
 
على مضضٍ، إلاّ وأُلفيهِ شاكِيا
يقول، إذا استشفيتُ منه بنظرة ٍ:
 
كَفَى بك داءً أن ترَى الموتَ شافيا
ويعجبُ منّي إن تمنيتُ عتبهُ،
 
وَحسبُ المَنايا أن يكنّ أمانِيا
فَوا عَجبا يُدعى حَبيبي، وإن غَدا
 
يُجاوِرُ في سُوءِ الصّنيعِ الأعادِيا
كما قيلَ للخَرْمِ المخوفِ مَفازَة ً،
 
ولقبَ أصنافُ العبيدِ مواليا
ولمّا اعتنقنا للوداعِ، وقد وهتْ
 
عُقُودُ لآلي نَحرِهِ ومآقِيا
فحلتْ عقودُ الدمعِ ما كان عاطلاً،
 
وعطلَ عقدُ الضمّ ما كانَ حاليا
وكم سِرْتُ إثرَ الظّاعنِينَ مُصَيِّراً
 
هوايَ دليلاً والذكرَ حاديا
أسيرُ ومن فَوقي وتَحتي ووُجهَتي،
 
وخَلفي ويُمنايَ الهَوى وشِماليا
فما لي إذا يَمّمتُ في الأرضِ وُجهة ً
 
وصرفتُ في أهلِ الزمانِ لحاظيا
تَضيقُ عليّ الأرضُ حتى كأنّني
 
أحاولُ فيها لابنِن أرتقَ ثانيا
مليكٌ، إذا شبهتُ بالغيثِ جوده،
 
هجوتُ نداهُ، وامتدحتُ الغواديا
يعيدُ شبابَ الشيبِ مرآهُ في النّدى،
 
وفي الحَربِ مَرآهُ يُشيبُ النّواصِيا
يرينا الندى في البأسِ والبأسَ في الندى،
 
فينعمُ غضباناً، وينقمُ راضيا
كبيضِ الظبَى تردي القتيل ضواحكاً،
 
وسُحبِ الحَيا تَروي الغليلَ بَواكِيا
وما ليَ لا أسعَى بمالي ومُهجَتي،
 
إلى من بهِ استدركتُ روحي وماليا
إلى مَلِكٍ يَستَخدِمُ الدّهرَ بأسُهُ،
 
ويُرجعُ طرفَ الخَطبِ بالعدلِ خاسيا
إلى مَلِكٍ يُخفي الملوكَ إذا بَدا،
 
كما أخفَتِ الشّمسُ النّجومَ الدّرارِيا
إلى مَلِكٍ يُولي الإرادَة َ والرّدى،
 
وتحوي المنايا كفُّهُ والأمانيا
بوَجهٍ غَدا للشّمسِ والبَدرِ ثالثاً،
 
وقلبٍ غَدا للجَوهَرِ الفَردِ ثانيا
وعزمٍ يزيلُ الخطب عن مستقرّهِ،
 
رأينا بهِ السّبعَ الطِّباقَ ثَمانِيا
وشدّة ِ بأسٍ تَترُكُ الماءَ جامِداً،
 
جعلتَ الرّدى راحاً وخيلَك راحة ً،
كفٌّ تشيمُ السيفَ غضبانَ ضاحكاً،
 
وتَثنيهِ بعدَ الكَرّ جَذلانّ باكِيا
 
يعمُّ الأقاصي جودهُ والأدانيا
جوادٌ أبادَ المالَ إلاّ صيانة ً،
 
مخافة َ أن يُمسي من البذلِ خاليا
لهُ قلَمٌ، إن خَرّ في الطِّرسِ ساجداً
 
يخرُّ لهُ ذو التاجِ في الأرض حاكيا
إذا ما مشَى يوماً على الرأسِ مُوحياً
 
إلى مَلِكٍ وافَى على االرّأسِ ماشِيا
إذا أعلمتهُ كفُّهُ خلتَ أنّهُ
 
يَسُنُّ سِناناً أو يَسُلُّ مَواضِيا
لقد حسدَ الأقوامُ لفظي وفضلَهُ،
 
وقد غَبَطوا إحسانَهُ ولِسانِيا
غداة َ تَجارَينا إلى السّبقِ، فاغتَدى
 
يشيدُ المعالي، أو أُجيدُ المعانِيا
وقالوا: أجَدتَ النّظمَ فيهِ، أجبتُهم:
 
يرى الزّهرُ أنّى أصبحَ الغيثُ هامِيا
فَيا مُحسِناً إلاّ إلى المالِ وحدَهُ،
 
وفي ذاكَ إحسانٌ لمن كانَ راجِيا
فذلكَ قومٌ لو مدحتُ صنيعهُمْ،
 
لظَنّ الوَرى أنّي أعُدُّ المَساويا
رعيتُ أمورَ المُسلمينَ بهِمّة ٍ،
 
رأيتُ بها مستقبلَ الأمرِ ماضيا
لقد عجزوا عن أن يروا لكَ في الندى
 
مدى الدهرِ أو عنهُ من الناسِ ثانيا
ويومٍ أعدتَ الصبحَ كالليلِ عندما
 
حجبتَ ذُكا لمّا أجلتَ المذاكيا
وأجرَيتَها قُبّ البُطونِ تَخالُها،
 
إذا ما سعتْ تحتَ العجاجِ، سعاليا
يمزقُ تكرارُ الصدامِ جلودَها،
 
فتُكسَى دَماً ما أصبَحَ السّيفُ عارِيا
سقَيتَ بها الأعداءَ كأساً من الرّدَى،
 
غداة َ غَدا كلٌّ من الكرّ ظاميا
 
وبيضَ الظُّبَى كأساً وعزمَكَ ساقِيا
وكم قد كَسَيتَ العِزَّ من جاءَ آمِلاً
 
إذا ما مشَى في ربعِ قدسِكَ حافِيا
بسطتَ من المعروفِ أرضاً مديدة ً،
 
وأنبَتَّ فيها للحُلوم رَواسِيا
وإنّي، وإن فارَقتُ مَغناك مُخطِئاً،
 
لأعلمُ أنّي كنتُ في ذاكَ خاطِيا
فكيفَ بعادي عن مغانٍ ألفتُها،
 
وأفنَيتُ عُمري بَينَها وشَبابِيا
وقَضّيتُ فيها الأربَعينَ مُجاوِراً
 
ملوكَ البَرايا والبحورَ الطّواميا
أصيفُ وأشتو بينهم، فكأنني
 
نزَلتُ على آلِ المُهَلَّبِ شاتِيا
بذلتَ لنا، يا ذا المكارمِ، أنعُماً
 
تسرُّ الموالي، إذ تسوءُ المعادِيا
ولولاكَ لم تُعنَ الملوكُ بمَنطِقي،
 
ولا خَطَبوا مَدحي لهم وخِطابِيا
ولولاكَ لم يُعرَفْ مُسمّايَ بَينَهم،
 
ولا أصبَحَ اسمي في المَمالكِ سامِيا
أَحيدُ عن السُّحبِ التي تُرسِلُ الحَيا،
 
وإن كنتُ حرّانَ الجوانحِ صادِيا
فسوفَ أجيدُ النّظمَ فيكَ وأنثَني
 
إلى النّثر، إنّ أفنى النّظامُ القَوافِيا
وأشكرُكم ما دمتُ حيّاً، وإن أمُتْ
 
ولم أُوفِه، أوصيتُ بالشّكرِ آليا