لا تخش يا ربع الحبيب همودا

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

لا تَخشَ يا رَبعَ الحَبيبِ هُمودَا

​لا تَخشَ يا رَبعَ الحَبيبِ هُمودَا​ المؤلف صفي الدين الحلي


لا تَخشَ يا رَبعَ الحَبيبِ هُمودَا،
فلَقد أخذتَ على العِهادِ عُهُودَا
وليُفنِيَنّ ثَراكَ عن صَوبِ الحَيا
صوبُ المدامعِ إن طلبتَ مزيدا
كما غادرتْ بفناكَ، يومَ وداعِنا،
سُحبُ المَدامعِ مَنهَلاً مَورُودا
ولكم سكبتُ عليكَ وافرَ أدمعي،
في ذلكَ اليومِ الطويلِ مريدا
ولقد عهدتُ بكَ الظباءَ سوانحاً،
بظِلالِ شِعبِكَ، والحِسانَ الغِيدا
حُوراً، إذا غُوزِلنَ كنّ جآذِراً؛
وإذا أردنَ الفتكَ كنّ أسودا
أخجلنَ زهرَ الأقحوانِ مباسماً
زَهراً وضاهَينَ الشّقيقَ خُدودا
وحَسَدَن كُثبانَ النّقا وغُصونَهُ،
فثقلنَ أردافاً ومسنَ قدودا
من كلّ واضِحَةٍ، إذا هيَ أقبَلَتْ
عايَنتَ دُرّاً في الثّغورِ نَضِيدا
حَذِرتْ عُيونَ العاشِقينَ فصَيّرَتْ
بُرجَ الهِلالِ تَمائِماً وعُقودا
كم قد سَهِرتُ اللّيلَ أرقُبُ زَورَةً
منها، فلم أر للصباحِ عمودا
ورَعَيتُ أنجُمَهُ فأكسَبتُ السُّها
فكأنّما كُسِيتْ بهنّ جُلودا
وحملتُ أعباءَ الغرامِ وثقلهُ،
فرداً، وحاربتُ الزمانَ وحيدا
فجَعَلتُ نَجمَ الدّينِ سَهمي عندَما
عايَنتُ شَيطانَ الخُطوبِ مَريدا
نجمٌ تدينُ لهُ النجومُ خواضِعاً،
ملكٌ تخرُّ لهُ الملوكُ سجودا
غَيثٌ يُريكَ من السّيوفِ بَوارِقاً،
ومِنَ الجِيادِ زَلازِلاً ورُعُودا
يَقظانُ ألقَى في حَبائلِ عَزمِهِ
شركاُ يصيدُ بها الكماةَ الصيدا
رأيٌ يَرى ما تحتَ أطباقِ الثّرَى،
وعلاً تريدُ إلى السماءِ صعودا
وَعَدَ الصّوارِمَ أن يقدّ بها الطَّلا،
وَعداً أراهُ للعُداةِ وَعيدا
ما شَدّدَ النّونَ الثّقيلَ لأنّهُ
إن قالَ يسبقُ فعلهُ التأييدا
يا أيها الملكُ الذي ملكَ الورى،
فغَدتْ لدَولتِهِ العِبادُ عَبيدا
وافَيتَ، إذ ماتَ السّماحُ وأهلُهُ،
فأعدتَهُ خلقاً لديكَ جديدا
وقدمتَ نحوَ ديارِ بكرٍ مظهراً
عدلاً يمهدُ أرضها تمهيدا
عطلتْ، فولا أنّ ذلكَ جوهرٌ
للهِ، ما حلّى لها بكَ جيدا
كَم غارَةٍ شَعواءَ حينَ شَهِدْتَها،
أُعطيتَ فيها النّصرَ والتأكيدا
في نارِها كنتَ الخليلَ، وإنّما
عندَ التِماسِ حَديدِها داوُدا
أخفيتَ وجهَ الأرضِ من جثثِ العدى
حتى جَعَلتَ لكَ الوُحوشَ وُفُودا
زوجتَ أبكارَ العِدى بنفوسِهِمْ،
وجعلتَ أطرافَ الرّماحِ شهودا
كَفَروا، فأمّنتَ الرّؤوسَ لأنّها
خَرّتْ لسَيفِكَ رُكّعاً وسُجودا
وبغوا، فولكتَ الحمامَ بحربِهمْ،
ثم ارتضيتَ لهُ السيوفَ جنودا
ياويحَ قومٍ أغضبوكَ بجهلِهِمْ،
ورأوا قَريبَ الفَتحِ منكَ بَعيدا
وتحَصّنوا في قَلعَةٍ لم يَعلَموا
أنْ سوفَ تَشهَدُ يَومَها المَوعودا
حتى رَمَيتَ حُصونَها بكَتائبٍ
شهبٍ، وقدتَ لها الجيادَ القودا
بقَساورٍ قَلّتْ عديداً في اللّقا،
ومنّ الشجاعةِ أن تقلّ عديدا
من فتيةٍ كسروا غمودَ سيوفهمْ،
واستبدلوا قللَ الرؤوسِ غمودا
رَفضُوا الدّروعَ عن الجُسوم، وأسبَغوا
فوقَ الجسومِ من القلوبِ حديدا
مروا بها حزرَ العيونِ، فأوجستْ
جزعاً، وكادتْ بالكماةِ تميدا
لو لم يُوَرِّدْ خَدَّها مِنهمْ حَيا،
جَعَلُوا الدّماءَ لَخدّها تَوريدا
قذفتْ بمن فيها إليكَ، كأنّما
علمتها من راحتيكَ الجودا
قالوا، وقد وَجَدوا لِبأسِكَ رَهبَةً
ومخافةً تذرُ الفصيحَ بليدا
سألوا البَقاءَ، فكانَ مانعُكَ الحَيا
من أن يُرى لكَ سائلٌ مردودا
لو شئتَ ما أبقتْ صفاحُكَ يافعاً
منهمْ، ولا تركتْ قناكَ وليدا
نَبذوا السّلاحَ مَخافَةً لمّا رأوا
راياتِ جَيشِكَ قد ملأنَ البِيدا
طَنّوا السّحابَ، إذا نشأنَ، عَجاجةً،
والبرقَ بيضاً، والرعودَ بنودا
سَكِروا وما سكِروا بكأسِ مُدامةٍ،
لكنْ عَذابُ اللَّهِ كانَ شَديدا
ورأوكَ مُعتَصِمَ العَزائِمِ فاختَشوا
بكَ يومَ عَمّورِيّةَ المَشهودا
أولَيتَهمْ لمّا أطاعوا أنْعُماً
لا تَستَطيعُ لبَعضِها تَحديدا
فانظُرْ تَجِدْ مَعْ كلّ نَفسٍ منهمُ
من فيضِ بركَ سائقاً وشهيدا
أكسَبتَ أُفقَ المُلكِ، يا نَجمَ الهُدى،
نُوراً جَلا ظُلَمَ الخُطوبِ السّودا
وطَرَدتَ جَورَ الحادثاتِ عن الوَرى،
ولكمْ أجرتَ من الزمانِ طريدَا
ما دامَ جودكَ يا ابنَ أرتقَ واصلي،
من شاءَ يمنحني جفاً وصدودا
ما فكّ مَدحي فيكَ قَيدَ تَعبّدي،
إلاّ وضعتَ منَ النوالِ قيودا
لازلتَ محسوداً على نيلِ العُلى،
فدوامُ عزكَ أن تُرى محسودا