كتاب الزهرة/الباب الحادي والسبعون ذكر من هجي بأصله دون ما يظهر من فضله

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الباب الحادي والسبعون ذكر من هجي بأصله دون ما يظهر من فضله

أخبرنا أبو العباس أحمد بن يحيى عن أبي عبد الله بن الأعرابي قال: تمثل عبد الملك بن مروان لمسلمة بن عبد الملك وكان في خيله فسبق وكان ابن أمة والشعر لعبد القيس:

نهيتكُمُ أن تحملوا هجناءكم
علَى خيلكم يوم الرّهان فتدركوا
فتُضعف ساقاه ويفترُ كفُّه
وتحذرُ فخذاهُ فلا يتحركُ
وما يستوي المرءان هذا ابن حُرَّةٍ
وهذا ابن أخرى ظهرها متشرّكُ
وأدركنه خالاته فحولنهُ
ألا إن عِرقَ السوء لا بد مُدركُ

قال: فقال مسلمة، والشعر لمسكين الحنظلي:

وكائن ترى فينا من ابن سبيَّةٍ
إذا التقت الخيلان يطعنها شزرا
فما زادها فينا السِّباء مذلَّةً
ولا خبزت خبزاً ولا طبخت قدرا
ولكن خلطناها بخبز نسائنا
فجاءت بهم بيضاً وجوهُهم زهرا

وقال أبو تمام:

إذا افتخرت يوماً تميمٌ بقَوْسها
فخاراً علَى ما وطَّنَتْ من مناقبِ
فأنتُمْ بذي قارٍ أمالت سيوفُكمْ
عُروش الذين استوهبوا قوس حاجبِ
مناعٍ لأقوامٍ مَتَى تَقْرِنونَها
محاسِنَ أقوامٍ تكنْ كالمعايبِ

وقال الطِرِمَّاح:

تَميمٌ بطُرْقِ اللؤمِ أهدَى من القَطَا
ولو سلكتْ طُرْقَ المكارمِ ضلَّتِ
أَرَى اللَّيلَ يَجلوه النهار ولا أَرَى
رجالَ المخازي عن تميمٍ تجلَّتِ
ذبحنا فَسَمَّينا فَحَلَّ ذبيحُنا
وما ذبحتْ يوماً تميمٌ فسمَّتِ
ولو أنَّ برغوثاً علَى ظهرِ قملةٍ
يكُرُّ علَى ضيفيْ تَميمٍ لولَّتِ

وقال جرير:

ويُقضَى الأمرُ حينَ تَغيبُ تيْمٌ
ولا يُستَأذَنون وهم شُهُودُ
وإنَّكَ لو رأيتَ عبيدَ تيْمٍ
وتَيْماً قلتَ إنّهمُ العبيدُ

وقال آخر:

ولا عدمت امرءاً هالتك هيبته
حتَّى حسبتَ المنايا تسبق الأجلا
ولا أسنَّة قوم أرشدوك بها
سُبل الفرار فلم تعدل بها السبلا

وقال الأعشى أوْ الرّاعي:

إلى الله أشكو أنَّني كنتُ نائماً
فقام سَلوليُّ فبالَ علَى رجلي
فقلتُ لأصحابي اقطعوها فإنني
كريمٌ وإنِّي غير مُدْخلها رَحلي

وقال عميرة بن جُعيل:

كسا الله حيّى تغلب ابنةَ وائلٍ
من اللؤم أظفاراً بطيئاً نُصولُها
فما بهمُ أن لا يكونوا طُروقةً
كراماً ولكنْ غيَّرتها فحولُها
إذا رحلوا عن دارِ عزّ تقاولوا
عليها وردوا وفدَهُم يستقيلُها

وقال آخر:

وليسوا لعمرو غير تأثيل نسبةٍ
ولكن عمرواً غيَّبَتْهُ المقابرُ
إذا عُيّروا قالوا مقادير قُدّرتْ
وما العارُ إلاَّ أن تجود المقادِرُ

وقال زيد بن الحكم الكلابي:

دفعناكم بالقول حتَّى بطرْتُمُ
وبالراح حتَّى كان دفع الأصابع
فلما رأينا جهلَكمْ غيرَ مُنْتهٍ
وما غاب من أحلامِكُمْ غير راجع
مسسنا من الإباء شيئاً وكُلنا
إلى حسَبٍ في قومه غير واضع
فلما بلغنا الأمهات وجدتُمُ
بنيّ عمكم كانوا كرام المضاجع

وقال آخر:

فإنَّ من غايةِ حرصِ الفَتَى
طلابَه المعروفَ في باهله
كبيرُهم وغدٌ ومولودهم
تلعنه من لؤمه القابله

وقال جميل:

أبوك حبابٌ سارق الضيف بُرده
وجدّي يا حجاج فارس شمّرا
بنو الصالحين الصالحون ومن يكنْ
بأباء سوءٍ تلقهم حيثُ سيَّرا
فإن تغضبوا من قسمة الله حظكم
فلله إذْ لم يُرضكم كان أبصرا

وقال الخزرجي:

أيزيد أنك لم تزل بمذلةٍ
حتَّى لففتَ أباك في الأكفانِ
فاشكرْ بلاء الموت عندك إنَّه
أودى بلؤم الحيّ في شيبانِ

وقال أبو نواس:

الحمدُ لله هذا أعجبُ العجبِ
الهيثمُ بن عَديٍّ صار في العربِ
إذا نسبتَ عديّاً في نبي ثُكلٍ
فقدمْ الدال قبل العين في النسبِ

وقال آخر:

نطقت بنو أسد ولم تتطهَّر
وتكلمتْ سرّاً ولمّا تجهرِ
وابن الحُبابِ صليبة زعموا هُمُ
ومن المحال صليبةُ من أشقرِ

وقال آخر:

أيها المدّعي سُليماً سفاها
لستَ منها ولا قلامةَ ظُفر
إنَّما أنت في سُليم كواوٍ
ألحقتْ في الهجاء ظلماً بعمرو

وقال آخر:

لو أن موتى تميم كلهم نُشروا
فأثبتوك لقيل الأمرُ مصنوعُ
إن الجديد إذا ما زيدَ في خَلق
تبيّن النَّاس أن الثّوبَ مرقوعُ

وقال مَخْلَد الموصلي:

أنظرْ إليه وإلى حُمقهِ
كيف تَطايا وهو منشورُ
ويلك من ألقاك في دعوةٍ
قلبُك منها الدَّهرَ مذعورُ
لو ذُكرتْ طيُّ علَى فرسخٍ
أظلمَ في ناظركَ النُّورُ

وقال بشر بن شبيب:

إذا ما بدا عمرو بدت منه خلقةٌ
تدل علَى مكنونه حين يُقبل
بياضُ خراسانٍ ولُكنةُ فارس
ورقَّةُ رومي وشعرٌ مفلفل

وقال مسلم:

أما الهجاء فدقّ عِرضك دونه
والمدح فيك كما علمتَ جليلُ
فاذهبْ فأنت طليقُ عرضك أنَّه
عرض عززت به وأنت ذليلُ

وقال محمد بن حماد:

أجارتنا بان الخليط فأبشري
فما العيشُ إلاَّ أن يبين خليط
أعاتبه في عرضه ليصونَه
ولا علم لي أن الأمير لقيط

وقال آخر:

لا خيرَ في صاعد فأذكره
والخير يأتيك من يدي عُمَرِ
ليس له ما خلا اسمه نسبٌ
كأنه آدمٌ أبو البشرِ

وقال علي بن الجهم:

بني ميتم هل تدرون ما الخبرُ
وكيف يُستر أمر ليس ينسترُ
حاجيتكم من أبوكم يا بني عُصَبٍ
شتَّى ولكنما للعاهر الحجرُ
قد كان شيخكم شيخاً له خطرٌ
لكنَّ أُمكمُ في أمرها نظرُ
ولم تكنْ أمكم والله يحفظُها
محجوبة دونها الأحراسُ والسُّترُ
كانت مغنية الفتيان إن شربوا
وغير ممنوعة منهم إذا سَكِروا

وقال أبو الموق المديني:

لم يته قطُّ علَى النَّا
س شريفٌ يا أبا سعد
فتهْ ما شئتَ إذْ أنت
بلا أصل ولا جدِّ
وإذ حظكَ في النس
بة بين الحُرّ والعَبْدِ
وإذ قاذفُك المفحشُ
في أمنٍ من الحَدِّ

وقال البحتري:

لَردّدتُ العتابَ عليكَ حتَّى
سئمتُ وآخرُ الودِّ العتابُ
وهان عليك سخطي حين تغدو
بعرضٍ ليس تأكُلهُ الكلابُ
وهل يشفي السباب من ابن لؤمٍ
دنيءٍ ليس يؤلمُه السّبابُ

وأنشدني محمد بن المرزبان لنفسه:

أيُّ نغلٍ لزينةٍ وزواني
علقته يد الهجاء هجاني
كلّ من رام لي هجاء وقذفاً
بكتابٍ يبديه أوْ بلسانِ
فاللواتي عليه حَرّمهُنَّ الله
في سورة النِّساء زوانِ

قال أبو بكر: قد كنتُ أكره أن أضمّن هذا الكتاب شيئاً من القذف، أوْ أشوبه بضرب من السفه والسخف، أو أذكر فيه هجاءً لقبيلة يجب على كافة المسلمين صونها، أوْ لرجل يكون سبيله في وجوب صيانته سبيلها، ولولا ذلك لكان في نقائض جرير والفرزدق وحدهما أوْ في قصيدتي الكميت ودعبل وحدهما، أوْ في أشعار الحكمي وضربائه دون من تقدمهم ما يملأ هذا الباب، بل ما يفي بجميع هذا الكتاب من أنواع التهاجي والتفاخر، ولولا أن معاني هذه الثلاثة الأبيات من المعاني المفردات الَّتي لا يكاد يقع مثلها سلاسة لفظ، واستيفاء معنى. وأنَّها مع ذلك ليس فيها ذكرٌ لأحد باسمه ولا نسب له بقبيلته، فيشترك فيها هو وغيره ما ذكرتها. ونحن الآن إن شاء الله إذْ أتينا في أبواب الهجاء من الأشعار بما فيه بلاغ. مبتدئون بأبواب الفخار.