كتاب الزهرة/الباب الثالث والخمسون ذكر ما قاله شعراء الإسلام في أهل بيت النبي عليه السلام.

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الباب الثالث والخمسون ذكر ما قاله شعراء الإسلام في أهل بيت النبي عليه السلام.

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يرثي عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما:

أتاني أن هنداً خل ضخمٍ
دعتْ دَرَكاً وبشَّرت الهُنُودا
فإن تفخر بحمزةَ يومَ ولَّى
مع الشُّهداء مُحتسباً شهيدا
فإنا قد قتلنا يومَ بدرٍ
أبا جهلٍ وعُتبةَ والوليدا
وشَيْبةَ قد تركنا يوم أُحدٍ
علَى أثوابهِ عَلقاً حَشيدا
وثوّى من جهنَّمَ شرَّ دارٍ
عليه ولم يَحدْ عنها مَحيدا
فما سيَّان من هو في جحيمٍ
يكونُ شرابهُ فيها صديدا
ومن هو في الجنان يُدَرُّ فيها
عليه الرّزق مُغتبطاً حميدا

وقال أمير المؤمنين علي أيضاً يرثيه رضي الله عنهما:

رأيت المشركين بَغَوا علينا
ولجَّوا في الرَّديدةِ والضَّلالِ
وقالوا نحنُ أكثرُ إذْ تقُونا
غداةَ الرَّوع بالأسلِ النّهالِ
فإن يبغوا ويفتخروا علينا
بحمزة فهو في الغُرُفِ العوالي
فقد أودَى بعُتبة يومَ بدرٍ
وقد أبلى وجاهدَ غير آلِ
وقد غادرتُ كبشهم جهاراً
بحمدِ اللهِ طلحةَ في المجالِ
فخرَّ لوجهه ورفعتُ عنه
رقيَ الحدِّ جُوَّدَ بالصِّقالِ

وقال حسان بن ثابت يرثيه رضي الله عنهما:

هل تعرف الدَّار عفا رسمُها
بعدَكَ صوْبَ المُسبل الهاطلِ
سألتُها عن ذاك فاستعجمتْ
لم تدرِ ما مرجوعةُ السَّائلِ
دعْ عنك داراً قد عفا رسمُها
وابكِ علَى حمزةَ ذي النَّائلِ
واللابسِ الخيلَ إذا أحجمتْ
كالليث في غاباته الباسلِ
أبيض في الذّروة من هاشمٍ
لم يَمْردون الحقّ بالباطلِ
مالَ شهيداً بين أسيافكم
شلَّتْ يدا وحشيِّ من قاتلِ
أظلمت الأرضُ لفقدانهِ
واسودَّ لونُ القمرِ الناصِلِ
صلَّى عليك الله في جنَّةٍ
عاليةٍ مُكرمَةِ الدَّاخلِ
كنَّا نرَى حمزة ذخراً لنا
من كلِّ أمرٍ نالنا نازلِ
وكانَ في الإسلامِ ذا تدراءٍ
لم يكُ بالواني ولا الخاذلِ
لا تفرحي يا هندُ واستحملي
دمعاً وأذري عبرَةَ الثاكلِ
وابكي علَى شيبة إذْ قطَّهُ
بالسَّيف تحت الرَّهج الكاهلِ
إذْ مالَ في مشيخةٍ منكُمُ
في كلِّ عاتٍ قلبُهُ جاهلِ
نقلتُمُ حمزة في عصبةٍ
تمشون تحت الحلق الفاصلِ
غداة جبريل وزيراً له
نعمَ وزيرُ الفارس الحاملِ

وقال حسان يرثي جعفراً ومن قتل معه - رضي الله عنهم - :

تأوَّبني همٌّ بيثربَ أعسَرُ
وهمٌّ إذا ما نوَّمَ الناسُ مُسْهرُ
لذكرى حبيب هيَّجت لك عبرةً
سفوحاً وأسبابُ البكاءِ التّذكُّرُ
فلا يبعدنَّ الله قتلى تتابعوا
بمؤتةَ منهمْ ذو الجناحين جعفرُ
غداة مضَى بالمؤمنينِ يقودهم
إلى الموت ميمون النَّقيبةِ أزهَرُ
فطاعنَ حتَّى مالَ في غير مُوسِدٍ
لمعترك فيه القنا يتكسَّرُ
وكنَّا نرَى في جعفر ومحمدٍ
وقاراً وأمراً حازماً حين يأمُرُ
وما زالَ في الإسلامِ من آل هاشمٍ
دعائمُ عزٍّ لا يُرام ومفخرُ
وهمْ جبل الإسلام والنَّاس حولهم
رُكامٌ إلى طودٍ يروقُ ويقهرُ
بهاليلُ منهم جعفرٌ وابن أُمَّةٍ
عليّ ومنهم أحمدُ المتخيَّرُ
وحمزةُ والعبَّاس منهمْ ومنهمُ
عقيلٌ وماءُ العود من حيث يعصرُ
بهم تُقدحُ اللأواءُ في كلِّ معركٍ
عَماسٍ إذا ما ضاقَ بالنَّاس مصدرُ

وقال آخر:

أُحبُّ عليّاً وأبناءهُ
ولا أصرف الحُبّ عن جعفرِ
وحمزة منِّي له شُعبةٌ
من الحبِّ صادقةُ المكسرِ
وفاز أبو الفضل عمّ الرَّ
سول بالحبّ منِّي وبالأوفرِ
عرانين زندهمُ ثاقبٌ
وعودهُمُ طيبُ المكسرِ
إذا انتسبوا نسبوا في القد
يم إلى العزِّ والعدد الأكثرِ
كفاكَ بهم وبأبنائهم
لدينك في النَّاس من معشرِ
أُحبُّهم للَّذي خصَّهمْ
إله السَّموات بالكوثرِ

وقال آخر:

هلْ لقريش كُلِّها صادقاً
والحقَّ من جاوزه أبطلا
إن تعرفوا فضل بني هاشمٍ
نعرف لكم فضلاً وإلاَّ فلا
إن قلتُمُ بالمصطفى فضلنا
فقدرهم قبلكمُ أولا
فأيّهم أولى به منكم
بذلك الحكم أتى منزِلا

وقال دعبل بن علي:

مدارسُ آياتٍ خَلَتْ من تلاوةٍ
ومنزلِ وحي مُقفرِ العرصَاتِ
لآلِ رسولِ الله بالخيف من مِنًى
وبالبيتِ والتجميرِ والعرفاتِ
ديارُ عليَّ والحسين وجعفرٍ
وحمزة والسّجّاد ذي الثفناتِ
قفا نسأل الدَّار الَّتي خفّ أهلها
مَتَى عهدها بالصَّوم والصَّلواتِ
وابن الأولى شطَّتْ بهم غُربةُ النَّوى
أفانين في الآفاقِ مفترقاتِ
بنفسيَ أنتمْ من كهولٍ وفتيةٍ
لفكِّ عناةٍ أو لحملِ دياتِ
أُحبُّ قصي الرّحم من أجلِ حبّكم
وأهجرُ فيكم زوجتي وبناتي
وما النَّاس إلاَّ غاضبٌ ومكذبُ
ومضطغِنٌ ذو حَنَّةٍ وتراتِ

ويروى أن زينب بنت علي بن أبي طالب يوم قتل الحسين أخرجت رأسها من الخباء فقالت:

ماذا تقولون إن قالَ النبيُّ لكمْ
ماذا فعلتم وأنتمْ آخرُ الأُممِ
بعترتي وبأهلي عند مُفتقدي
منهمْ أُسارى ومنهمْ ضُرّجوا بدمِ
ما كانَ هذا جزائِي إذْ نصحت لكم
أنْ تخلفوني بشرٍّ في ذوِي رَحمي

وقال سليمان بن قَتَّة مولى بني مدكور يوم الحسين رضي الله عنه:

مررتُ علَى أبياتِ آلِ محمَّدٍ
فلم أرَها كعهدها يوم حُلَّتِ
فلا يُبعد اللهُ الدّيارَ وأهلها
وإنْ أصبحتْ من أهلها قد تخلّتِ
وكانوا رجاءً ثمَّ عادوا رزيَّةً
لقد عَظُمت تلك الرَّزايا وحلَّتِ
وإن قتيلَ الطفّ من آل هاشمٍ
أذلَّ رقابَ المسلمين فذلّتِ

وقال منصور بن سلمة:

بنو بني الله يغدون في
خوف ويغدو الناس في أمنِ
أمنهم ذا وهم جهرة
من بين هذا الأنس والجنِّ
لو أنهم أولاد فرعون أو
هامان ما زادوا وهُمْ ظبي
نالت علي بن أبي طالبٍ
منهم يد لم تدر ما تجني
من يك ذا ضغنٍ على والدٍ
بطالب الأولاد بالطعنِ
أحقاد بدر طالبتها العدى
من أهل بيت الرجس واللعنِ
لا يُبعد الله ثوى عصبةٍ
من هاشمٍ أفناهم المفتي
ما قتلوا إلا وقد اغدرت
أيديهم بالضربِ والطعنِ

وقال أيضاً:

ولد النَّبيّ ومن أُحبُّهمُ
يتطامَنون مخافةَ القتلِ
أمن النَّصارى واليهود وهمْ
من أُمَّة التَّوحيد في الأزلِ

وقال أيضاً:

أُريق دم الحسين ولم يُراعوا
وفي الأحياء أموات العُقولِ
ألا يأبَى جَبينكَ من جبينٍ
جرَى دَمه علَى خدٍّ أسيلِ
فؤادك والسّلوّ فإن قلبي
سبايا إن تعود إلى ذهولِ
وقد شرقت رماح بني زيادٍ
تُروّى من دماء بني الرَّسولِ

أنشدني محمد بن الخطاب لنفسه في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:

هو الَّذي أودَى وليداً
في الوغى وشيبه جرَّعه

أنشدني محمد قال: أنشدني بعض النصارى لنفسه:

عديٍّ وتيم لا أُحاول ذكرَها
بسوءٍ ولكنَّني محبٌّ لهاشمِ
وهل يعتريني في عليٍّ ورهطِهِ
إذا لم أخف في الله لومة لائمِ
يقولون ما بال النّصارى تحبّه
وأهل النُّهى من مغرب وأعاجمِ
فقلت لهم إنِّي لأحسبُ حبَّه
طواهُ إلهي في صُدور البهائمِ

ولم نذكر شعر النصارى في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه افتقاراً إليه ولا اتكالاً في فضائلهم عليه، ولكن أردنا أن ننبّه على من قصدهم من أهل ملتهم الَّذي أوجبه عليه لهم في قوله تبارك وتعالى في محكم كتابه: )قل لا أسألكم عليه أجراً إلاَّ المودَّة في القربى( ولو أنَّ الله جلَّ ثناؤه أجاز سفك دمائهم رضوان الله عليهم، واعتقاد عداوتهم نصّاً في محكم التَّنزيل مكان ما أنزله في الحضّ على مودّتهم لما زاد المعاندون على ما فعلوا بهم بل قد أنزل الله في قتل المشركين، فما أتتك من حريمهم، ولا سبي نسائهم، ولا ذبح أطفالهم ولا قتل ساداتهم، ولا شردوا عن أوطانهم، ولا أخيفوا في مأمنهم ولا استفرع المجهود في مكارههم. وقد فعل ذلك كلّه بآل رسول الله صلى الله عليه، ولعمري ما رجع ضرر ذلك إلاَّ على من فعله، ولا احتقب الوزر فيه إلاَّ الَّذي ارتكبه. وعند الله المجازاة للمظلومين، والانتصاف لهم من المعتدين، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

وذكروا أنَّه لمَّا وجَّه معاوية زيد بن أرطأة في طلب شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام. هرب منه عبيد الله بن العباس فوجد ابنين له صغاراً فقتلهما، ففي ذلك تقول أُمّهما:

يا مَنْ أحسَّ بُنيَّيّ اللَّذين هما
كالدُّرَّتين تَشَظَّى عنهما الصَّدفُ
يا مَنْ أحسَّ بُنيَّيّ اللَّذين هما
سَمعي وقلبي فقلبي اليوم مُختطفُ
نُبّئتُ بُسْراً وما صدَّقتُ ما زعموا
من قولهم ومن الأمرِ الَّذي اقترفوا
أُنحى علَى وَدَجيْ ابنيّ مُرهفةً
مشحوذةً وكذاك الظّلمُ والسَّرفُ
من ذا رأَى أنَّني حَرَّى مفجعةً
علَى صبيَّين ضاعا إذْ مضَى السَّلفُ

ثمَّ اجتمع بسر وعبد الله عند معاوية بعد ذلك فقال له عبيد الله: أهو الشَّيخ قاتل الصبيين، والله لوددت أن الأرض أخرجتني عندك. قال: فقد أخرجتك الساعة فمه. فقال: والله لو أن معي سيفي، فقال: هاك سيفك وأهوى بيده ليناوله سيفه فقال له معاوية: أُفٍّ لك من شيخ. ما أجهلك تجيء إلى رجل قد قتلت ابنه فتعطيه سيفك كأنَّك لم تعرف أكباد بني هاشم، أما والله لو بدأ بك ثمَّ لثنَّى بي. فقال عبيد الله لمعاوية: لا والله لبدأتُ بك ثمَّ لثنَّيت به، وقال إبراهيم ابن عبد الله بن الحسين يرثي أخاه محمد بن عبد الله عندما قتله عيسى بن موسى بن محمد في المعركة:

أبا المنازلِ يا خيرَ الفوارس مَنْ
يُفجعْ بمثلك في الدُّنيا فقد فُجِعا
اللهُ يعلمُ أنِّي لو خشيتهُمُ
وأوجسَ القلبُ من خوفٍ لهم فزعا
لم يقتلوهُ ولم تسلم أخِي لهمُ
حتَّى نعيشَ جميعاً أوْ نموت معَا

ولبعض المحدثين يخاطب بعض قتلة الطالبيين:

قتلتَ أعزَّ من ركبَ المطايا
وجئتك أستلينك بالكلامِ
وعزَّ عليَّ أن ألقاكَ إلاَّ
وفيما بيننا حَدُّ الحُسامِ
ولكن الجناح إذا أُصيبت
قوادمه ترفُّ علَى الأكامِ