كتاب الأم/كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي/من أسلم على شيء غصبه أو لم يغصبه
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: روى ابن أبي مليكة مرسلا أن النبي ﷺ قال (من أسلم على شيء فهو له) وكان معنى ذلك من أسلم على شيء يجوز له ملكه فهو له. وذلك كل ما كان جائزا للمسلم من المشركين أسلم عليه مما أخذه من مال مشرك لا ذمة له فإن غصب بعضهم بعضا مالا أو استرق منهم حرا فلم يزل في يده موقوفا حتى أسلم عليه فهو له. وكذلك ما أصاب من أموالهم فأسلم عليها فهي له، وهو إذا أسلم وقد مضى ذلك منه في الجاهلية كالمسلمين يوجفون على أهل دار الحرب فيكون لهم أن يسبوهم فيسترقوهم ويغنموا أموالهم فيتمولونها إلا أنه لا خمس عليهم من أجل أنه أخذه وهو مشرك فهو له كله ومن أخذ من المشركين من أحد من المسلمين حرا أو عبدا أو أم ولد أو مالا فأحرزه عليه ثم أسلم عليه فليس له منه شيء وكذلك لو أوجف المسلمون عليه في يدي من أخذه كان عليهم رد ذلك كله بلا قيمة قبل القسم وبعده لا يختلف ذلك والدلالة عليه من الكتاب وكذلك دلت السنة وكذلك يدل العقل والإجماع في موضع وإن تفرق في آخر لأن الله عز وجل أورث المسلمين أموالهم وديارهم فجعلها غنما لهم وخولا لإعزاز أهل دينه وإذلال من حاربه سوى أهل دينه. ولا يجوز أن يكون المسلمون إذا قدروا على أهل الحرب تخولوهم وتمولوا أموالهم ثم يكون أهل الحرب يحوزون على الإسلام شيئا فيكون لهم أن يتخولوه أبدا، فإن قال قائل: فأين السنة التي دلت على ما ذكرت؟ قيل: أخبرنا عبد الوهاب بن عبد المجيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين (أن المشركين أسروا امرأة من الأنصار وأحرزوا ناقة للنبي ﷺ فانفلتت الأنصارية من الإسار فركبت ناقة النبي ﷺ فأرادت نحرها حين وردت المدينة وقالت: إني نذرت لئن أنجاني الله عليها لانحرنها فمنعوها حتى يذكروا ذلك للنبي ﷺ فذكروه له فقال رسول الله ﷺ: لا نذر في معصية ولا فيما لا يملك ابن آدم وأخذ ناقته).
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: فلو كان المشركون إذا أحرزوا شيئا كان لهم لا ينفي أن تكون الناقة إلا للأنصارية كلها لأنها أحرزتها عن المشركين أو يكون لها أربعة أخماسها وتكون مخموسة ولكن رسول الله ﷺ لم ير لها منها شيئا وكان يراها على أصل ملكه ولا أعلم أحدا يخالف في أن المشركين إذا أحرزوا عبدا لرجل أو مالا له فأدركه قد أوجف المسلمون عليه قبل المقاسم أن يكون له بلا قيمة. ثم اختلفوا بعدما يقع في المقاسم فقال منهم قائل مثل ما قلت هو أحق به وعلى الإمام أن يعوض من صار في سهمه مثل قيمته من خمس الخمس وهو سهم النبي ﷺ وهذا القول يوافق الكتاب والسنة والإجماع. ثم قال غيرنا: يكون إذا وقع في المقاسم أحق به إن شاء بالقيمة وقال غيرهم: لا سبيل إليه إذا وقع في المقاسم وإجماعهم على أنه لمالكه بعد إحراز العدو له وإحراز المسلمين عن العدو له حجة عليهم في أنه هكذا ينبغي أن يكون بعد القسم، وإذا كانوا لو أحرزه مسلمون متأولين أو غير متأولين فقدروا عليه بأي وجه ما كان ردوه على صاحبه كان المشركون، أن لا يكون لهم عليهم سبيل أولى بهم وما يعدوا الحديث لو كان ثابتا أن يكون من أسلم على شيء فهو له فيكون عاما فيكون مال المسلم والمشرك سواء إذا أحرزه العدو فمن قال هذا لزمه أن يقول لو أسلموا على حر مسلم كان لهم أن يسترقوه أو يكون خاصا فيكون كما قلنا بالدلائل التي وصفنا ولو كان إحراز المشركين لما أحرزوا من أموال المسلمين يصير ذلك ملكا لهم لو أسلموا عليه ما جاز إذا ما أحرز المسلمون ما أحرز المشركون أن يأخذه مالكه من المسلمين بقيمة ولا بغير قيمة قبل القسم ولا بعده وكما لا يجوز فيما سوى ذلك من أموالهم.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا الثقة عن نافع عن ابن عمر أن عبدا له أبق وفرسا له عار فأحرزه المشركون ثم أحرزه عليهم المسلمون فردا عليه بلا قيمة. فلو أحرز المشركون امرأة رجل أو أم ولده أو مدبرة أو جارية غير مدبرة فلم يصل إلى أخذها ووصل إلى وطئها لم يحرم عليه أن يطأ واحدة منهن لأنهن على أصل ملكه والاختيار له أن لا يطأ منهن واحدة خوف الولد أن يسترق وكراهية أن يشركه في بضعها غيره.