كتاب الأم/كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي/الحربي يسلم وعنده أكثر من أربع نسوة
[قال الشافعي]: وإذا أسلم الرجل الحربي وثنيا كان أو كتابيا وعنده أكثر من أربع نسوة نكحهن في عقدة أو عقد متفرقة أو دخل بهن كلهن أو دخل ببعضهن دون بعض أو فيهن أختان أو كلهن غير أخت للأخرى قيل له: أمسك أربعا أيتهن شئت ليس في الأربع أختان تجمع بينهما ولا ينظر في ذلك إلى نكاحه أية كانت قبل وبهذا مضت سنة رسول الله ﷺ.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا الثقة وأحسبه ابن علية عن معمر عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه (أن غيلان بن سلمة أسلم وعنده عشر نسوة فقال له رسول الله ﷺ: أمسك أربعا وفارق سائرهن).
[قال الشافعي]: أخبرنا مالك عن ابن شهاب (أن رجلا من ثقيف أسلم وعنده عشر نسوة فقال له رسول الله ﷺ: أمسك أربعا وفارق سائرهن).
[قال الشافعي]: أخبرني من سمع ابن أبي الزناد يقول أخبرني عبد المجيد بن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف عن عوف بن الحارث عن (نوفل بن معاوية الديلمي قال: أسلمت وعندي خمس نسوة فقال لي رسول الله ﷺ: أمسك أربعا أيتهن شئت وفارق الأخرى فعمدت إلى أقدمهن صحبة عجوز عاقر معي منذ ستين سنة فطلقتها).
[قال الشافعي]: فخالفنا بعض الناس في هذا فقال إذا أسلم وعنده أكثر من أربع نسوة فإن كان نكحهن في عقدة فارقهن كلهن وإن كان نكح أربعا منهن في عقد متفرقة فيهن أختان أمسك الأولى وفارق التي نكح بعدها وإن كان نكحهن في عقد متفرقة أمسك الأربع الأوائل وفارق اللواتي بعدهن وقال: انظر في هذا إلى كل ما لو ابتدأه في الإسلام جاز له فأجعله إذا ابتدأه في الشرك جائزا له وإذا كان إذا ابتدأه في الإسلام لم يجز له جعلته إذا ابتدأه في الشرك غير جائز له.
[قال الشافعي]: فقلت لبعض من يقول هذا القول لو لم يكن عليك حجة إلا أصل القول الذي ذهبت إليه كنت محجوجا به قال: ومن أين؟ قلت: أرأيت أهل الأوثان لو ابتدأ رجل نكاحا في الإسلام لولي منهم وشهود منهم أيجوز نكاحه؟ قال: لا قلت: أفرأيت أحسن حال نكاح كان لأهل الأوثان قط أليس أن ينكح الرجل بولي منهم وشهود منهم؟ قال: بلى قلت: فكان يلزمك في أصل قولك أن يكون نكاحهن كلهن باطلا لأن أحسن شيء كان منه عندك لا يجوز في الإسلام مع أنهم قد كانوا ينكحون في العدة وبغير شهود قال: فقد أجاز المسلمون لهم نكاحهم قلنا اتباعا لأمر رسول الله ﷺ وأنت لم تتبع فيه أمر رسول الله ﷺ إذ كان رسول الله ﷺ حكم في نكاحهن حكما جمع أمورا فكيف خالفت بعضها ووافقت بعضها؟ قال: فأين ما خالفت منها؟ قلت: موجود على لسانك لو لم يكن فيه خبر غيره قال: وأين؟ قلت: إذ زعمت أن رسول الله ﷺ عفا لهم عن العقد الفاسد في الشرك حتى أقامه مقام الصحيح في الإسلام فكيف لم تعفه لهم فتقول بما قلنا قال: وأين عفا لهم عن النكاح الفاسد قلت: نكاح أهل الأوثان كله قال: فقد علمت أنه فاسد لو ابتدئ في الإسلام ولكن اتبعت فيه الخبر قلنا: فإذا كان موجودا في الخبر أن العقد الفاسد في الشرك كالعقد في الإسلام كيف لم تقل فيه بقولنا تزعم أن العقود كلها فاسدة ولكنها ماضية فهي معفوة وما أدرك الإسلام من النساء وهو باق فهو غير معفو العدد فيه فنقول: أصل العقد كله فاسد معفو عنه وغير معفو عما زاد من العدد فأترك ما زاد على أربع والترك إليك وأمسك أربعا قال: فهل تجد على هذا دلالة غير الخبر مما تجامعك عليه؟ قلت: نعم قال الله عز وجل: {اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين} إلى {تظلمون} فعفا رسول الله ﷺ عما قبضوا من الربا فلم يأمرهم برده وأبطل ما أدرك حكم الإسلام من الربا ما لم يقبضوه فأمرهم بتركه وردهم إلى رءوس أموالهم التي كانت حلالا لهم فجمع حكم الله ثم حكم رسوله ﷺ في الربا إن عفا فات وأبطل ما أدرك الإسلام فكذلك حكم رسول الله ﷺ في النكاح كانت العقدة فيه ثابتة فعفاها وأكثر من أربع نسوة مدركات في الإسلام فلم يعفهن وأنت لم تقل بأصل ما قلت ولا القياس على حكم الله ولا الخبر عن رسول الله ﷺ وكان قولك خارجا من هذا كله ومن المعقول. قال: أفرأيت لو تركت حديث نوفل بن معاوية وحديث ابن الديلمي اللذين فيهما البيان لقولك وخلاف قولنا واقتصرت على حديث الزهري أيكون فيه دلالة على قولك وخلاف قولنا؟ قلنا: نعم؟ قال: وأين؟ قلت: إذا كانوا مبتدئين في الإسلام لا يعرفون بابتدائه حلالا ولا حراما من نكاح ولا غيره فعلمهم رسول الله ﷺ أن لا يمسكوا أكثر من أربع دل المعقول على أنه لو كان أمرهم أن يمسكوا الأوائل كان ذلك فيما يعلمهم لأن كلا نكاح إلا أن يكون قليلا ثم هو أولى ثم أحرى مع أن حديث نوفل بن معاوية ثبت قاطعا لموضع الاحتجاج والشبهة.