قبيح بمن ضاقت عن الأرض أرضه

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

قَبيحٌ بمنْ ضاقتْ عنِ الأرضِ أرضُهُ

​قَبيحٌ بمنْ ضاقتْ عنِ الأرضِ أرضُهُ​ المؤلف صفي الدين الحلي



قَبيحٌ بمنْ ضاقتْ عنِ الأرضِ أرضُهُ
 
وطولُ الفَلا رحبٌ لديهِ وعرضُهُ
ولم يبلِ سربالَ الدُّجى فيه ركضُهُ،
 
إذا المرءُ لم يدنس من الؤمِ عرضُهُ
إذا المرءُ لم يحجُبْ عن العينِ نومها
 
ويغلي من النفسِ النفيسة ِ سومَها
أضيع، ولم تأمنْ معاليهِ لومَها،
 
وإن هوَ لم يَحمِلْ على النّفسِ ضَيمَها
وعصبة ِ غدرٍ أرغمتها جدودنا،
 
فَباتَتْ، ومنها ضِدُّنا وحَسُودُنا
إذا عَجِزَتْ عن فِعلِ كَيدٍ يكيدُنا
 
تُعَيّرُنا أنّا قَليلٌ عَديدُنا
رَفَعنا على هامِ السّماكِ مَحَلَّنا،
 
فلا ملكٌ إلاّ تفيأ ظلَّنا
فقَد خافَ جيشُ الأكثرينَ أقَلَّنا،
 
وما قَلّ مَن كانتْ بَقاياهُ مِثلَنا
يُوازي الجِبالَ الرّاسياتِ وقارُنا،
 
وتبنى على هامِ المجرّة ِ دارُنا
ويأمنُ منْ صرفِ الزّمانِ جوارُنا،
 
وما ضَرّنا أنّا قَليلٌ وَجارُنا
ولمّا حلَلْنا الشّامَ تَمّتْ أُمورُهُ
 
ومنّا مُبيدُ الألفِ في يَومِ زَحفِهِ،
وبالنيربِ الأعلى الذي عزّ طورُهُ،
 
لنا جبلٌ يحتلُّهُ من نجيرُهُ
يريكَ الثريّا من خلالِ شعابِهِ،
 
وتحدقُ شهبُ الأفقِ حولَ هضابِهِ
ويعثرُ خطوُ السحبِ دونَ ارتكابهِ،
 
رسا أصلُهُ تحتَ الثّرَى وسما بهِ
وقَصرٍ على الشّقراءِ قد فاضَ نَهرُهُ،
 
وفاقَ على فخرِ الكواكبِ فخرُهُ
وقد شاعَ ما بينَ البريّة ِ شكرُهُ،
 
هوَ الأبلقُ الفردُ الذي شاعَ ذكرُهُ
إذا ما غضبنا في رضي المجدِ غضبة ً
 
لندركَ ثأراً أو لنبلغُ رتبة ً
نَزيدُ، غَداة َ الكرّ في المَوتِ، رَغبة ً،
 
وإنّا لَقَوْمٌ لا نَرى القتلَ سُبّة ً
أبادتْ ملاقاة ُ الحروبِ رجالنا،
 
وعاشَ الأعادي حينَ مَلّوا قِتالَنا
لأنّا، إذا رامَ العُداة ُ نِزالَنا
 
يقربُ حبُّ الموتِ آجالنا لنَا
فمنّا معيدُ الليثِ في قبض كفّهِ،
 
ومُورِدُهُ في أسرِهِ كأسَ حَتفِهِ
 
وما ماتَ منّا سيدٌ حتفَ أنفهِ
إذا خافَ ضَيماً جارُنا وجَليسُنا،
 
فمِنْ دونِهِ أموالُنا ورؤوسُنا
وإنْ أجّجَتْ نارَ الوَقائعِ شُوسُنا،
 
تسيلُ على حدّ الظُّباتِ نفوسنا
جنَى نفعنَا الأعداءُ طوراً وضرنَّا،
 
فما كانَ أحلانا لهمْ وأمرَّنا
ومُذْ خَطَبُوا قِدماً صَفانا وبِرَّنا،
 
صفونا، ولم نكدُر، وأخلصَ سرَّنا
لقد وَفتِ العَلياءُ في المجدِ قِسطَنا،
 
وما خالفتْ في منشإ الأصلِ شرطنا
فمُذْ حاوَلَتْ في ساحة ِ العزّ هَبطَنا،
 
علوْنا إلى خيرِ الظّهورِ وحطَّنا
تُقِرُّ لَنا الأعداءُ عندَ انتِسابِنا،
 
وتخشى خطوبُ الدّهرِ فصلَ خطابنا
لقد بلغتْ أيدي العُلى في انتخابنا،
 
فنحنُ كماءِ المزنِ ما في نصابِنا
نغيثُ بني الدنيا ونحملُ هولهمْ،
 
كما يَومُنا في العِزّ يَعدِلُ حَولَهم
نَطولُ أُناساً تَحسُدُ السُّحبُ طَولَهمْ
 
ونُنكِرُ إن شِئنا على النّاسِ قولَهم
لأشياخنا سعيٌ بهِ الملكَ أيدوا،
 
ومِنْ سَعِينا بَيتُ العَلاءِ مُشَيَّدُ
فَلا زالَ منّا في الدّسوتِ مُؤيَّدُ،
 
إذا سيدٌ منّا خلا قامَ سيدُ
سبقنا إلى شأو العُلى كلَّ سابقِ،
 
وعمَّ عطانا كلَّ راجٍ ووامِقِ
فكَمْ قد خَبَتْ في المَحل نارُ مُنافِقِ
 
وما أُخمِدَتْ نارٌ لَنا دونَ طارِقِ
علونا مكانَ النجمِ دونَ علونا،
 
وسامَ العُداة َ الخَسفَ فَرطُ سُمُوّنا
فَماذا يَسُرُّ الضّدَّ في يومِ سَوّنا،
 
وأيّامُنا مَشهورَة ٌ في عَدُوّنا
لنا يومَ حربِ الخارجيّ وتغلبِ
 
وَقائعُ فَلّتْ للظُّبَى كلّ مَضرِبِ
فأحسابنا من بعدِ فهرٍ ويعربٍ،
 
وأسيافنا في كلّ شرقٍ ومغربِ
أبَدْنا الأعادي حينَ ساءَ فعالُها،
 
فَعادَ عَلَيها كيدُها ونَكالُها
وبيضٌ جلا ليلَ العجاجِ صقالُها
 
معودَة ٌ ألاّ تسلَّ نصالُها
هم هَوّنوا في قَدرِ مَن لم يُهِنْهُمُ،
 
وخانوا، غداة َ السلم، من لم يخنهمُ
فإنْ شِئتِ خُبر الحالِ منّا ومنهُمُ
 
سلي إن جهلتِ الناسَ عنّا وعنهمُ
لئن ثلمَ الأعداءُ عرضي بسومهم
 
فكم حَلَموا بي في الكَرَى عند نومهم
وإذا أصبحوا قطباً لابناءِ قومهم،
 
فإنّ بني الرّيّانِ قُطبٌ لقومهم