في كنه قدرك للعقول تحير

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

في كُنْهِ قَدْرِكَ للعقولِ تَحَيّرُ

​في كُنْهِ قَدْرِكَ للعقولِ تَحَيّرُ​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


في كُنْهِ قَدْرِكَ للعقولِ تَحَيّرُ
فلذاك عنه النيرات تقصر
والواصفونَ عُلاَكَ مِنّا قَرّبوا
ما ترجموا للناس عنه وعبَّروا
ألقيتَ عزمكَ بين عَيْنِيْ ضَيْغَمٍ
وأباتَ طيفك كلّ شيءٍ يُذعر
ورحلتَ في جون القتام عرمرمٍ
وكأنه ليل بوجهك مقمر
ولئن قدمت وفي اعتقادك عودةٌ
فالبحر من عظم يمدّ ويجزر
والفتحُ من فضلِ الإله، ويومهُ
متقدّمٌ بالنصر أو متأخر
لولا اقترابُ الوقت عن قدر لما
فتحتْ على حالٍ لأحمد خيبر
وفوارسٍ يَحْمرّ مِنْ ضرب الطلا
بأكفِّهم ورقُ الحديد الأخضر
لا غشَّ جبْنٍ فيهمُ فكأنَّهم
سُبكوا بنيران الحروب وسجّروا
ومن الرجال مُروَّعٌ ومشجع
ومن السيوف مؤنثٌ ومذكر
ألِفَتْ قلوبُهُمُ الخضوعَ لربهم
والأس في أسيافهم متكبر
يَرْمُونَ أغراضَ الحتوفِ بأنفسٍ
ووجوهها لعيونهم تتنمّر
وتغور في هام العلوج جداولٌ
للضرب من أغمادهم تتفجر
من كلّ وحشيِّ الطباع كأنَّه
بين القنا الخطّيِّ ليثٌ مُخْدَر
متقدمٌ من صبره، ولثامهُ
يوم القراع أضاتهُ والمغفر
صبحت جيوشهم جيوشاً يا لها
من أبْحُرٍ زَخَرَتْ عليها أبحر
ويلٌ لحصن ليبطَ من يومٍ على
جنباتهِ يجري النجيع الأحمر
والروعُ تثقلُ بالردى ساعاتهُ
وتخفّ بالأبطال فيه الضمر
يثنى النهار به على أعقابه
حتى كأنَّ الشمس فيه تُكَوَّر
والنّقْعُ فيه دُجُنّةٌ لا تنجلي
والصبحُ منه ملاءةٌ لا تنشر
ولقد شددتَ على خناق علوجهم
وأدارَ رأيك فيهم مستبصر
واستعصموا بذرى أشمّ كأنَّهم
عصمٌ أتيحَ لها هزبر قسور
قَلّوا لَدَيْكَ غَنيمةً فكأنَّما
أبقتهُمُ الأيامُ فيه ليكثروا
ولقلَّمَا يبقى رمادُهُمُ إذا
طارتُ به في الجو ريحٌ صرصرُ
قام الدليل، وما الدليل بكاذبٍ
أن النصارى يخذلون وتنصرُ
سكنتَ في الآفاقِ من حركاتهم
والنبض من خور الطبيعة يفترُ
هلاّ أطاق الكفرُ جرّ قناته
لما تركتَ كُعُوبَها تَتَكسر
يومَ العروبةِ، والعرابُ لواعبٌ
تكبو على هامِ العلوج وتعثر
والفنش يحصب ناظريه وقلبهُ
بقوارع الأحزان يومٌ معورُ
ركبَ الغواية واستبد برأيه
جهلاً ليعبر خضرماً لا يعبر
خذ في عزائمك التي تركتهم
خبراً مع الأيام لا يتغير
بالخيل تحت الليل يُسرجُ حولها
في كلّ ذابلةٍ سِنانٌ أزهر
وتلوكُ من فُقْدِ القضيم شكائماً
تُنْهَى بها أفْواهُهُنّ وَتُؤْمَر
عَرَكَتْ أديم الأرضِ تحت حوافرٍ
صخرُ البلاد بوطئهنّ مسخَّر
حتى تُغَنّيهِمْ ظُبَاكَ من الردى
نغماً، وتسقيهم كؤوساً تُسكر
جاهدتَ في الرحمن حقّ جهاده
وجرى الملوكُ كما جريت فقصَّروا
فيبيتُ ناجودٌ وعودٌ حولهم
ويبيتُ حولك شزَّبٌ وَسَنَوّر
وتفوح غاليةٌ بهم وذريرةٌ
وهما دمٌ في برديتك وَعِثْيَر
أعطتك ريحانَ الثناء حديقةٌ
ظمئتْ ولكن قلما تستمطر
وأنا العليم بأن طولكَ شاملٌ
وذراك رحراحٌ وَجُودَكَ كَوْثَرُ