عبقرية عمر (المكتبة العصرية)/عمر في بيته

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


عمر في بيته (1) كان الخليفة الأكبر - صاحب الأمر في الجزيرة العربية ، وصاحب الغلبة على ملك الأكاسرة والقياصرة والفراعنة ، ومدير الحكم في الرقعة الوسطى بين قارات العالم المعمور - رجلا فقيرا يعيش في بيته عيشة و يقنع من الغذاء والكساء بحظ لا يتمناه كثير من الرجال ، و يزهد فيه كثير من فمن غير العجيب أن يخطب بعض النساء فيأبين عيشه ، وقد أبي مثل هذا العيش نساء النبي عليه السلام ، فلم يقبلنه الا وقد خيرن بينه وبين الكناف"، النساء 1 الطلاق I. 6 {۴) .. من وما تدري أي الشهادات الحكم الخليفة الأكبر أغلى وأجمل ، فان الشهادات لحكمه أكثر من أن تحصى، وهي جمیعا مما تغالی به السير وتزدان بجمانه . ولكنا لا نعرف بينها ما هو أغلى وأجمل من هاتين الشهادتين : أن يعيش في بيته عیشا لا يشتهى ، وأن تكون في يده صولة الملك فلا ترى فيها امرأة من النساء خلابة ثغره ها ولا ضولة تخيفها أن ترفضها وتأباها ان امرأة واحدة ترفض عمر لأغلى في الشهادة له ألف امرأة يقبلن على بيته ويطمعن في سلطانه وقد وصفته امرأة خطبها ورفضته وصفا ، ، لم نسمع فيما قيل عن ايمانه بالله أصدق منه ولا أوجز وأوفي ، فقالت أم أبان بنت عتبة بن ربيعة : انه رجل « أذهله أمر آخرته عن أمر دنياه ، كأنه ينظر الى ربه بعينه ) والذي نعنيه من الوصف هو قولها عن مخافته الله انه كان يخافه كأنه يراه بعينه فهو في الحق أصدق وصف لايمان هذا الرجل المتفرد بايمانه كما تفرد (1) الكفاف من الرزق : ما كف عين الناس. وأغنی • (۲) الخديعة واختلبه : خدعة ، وخلاب وخلبوب : البرق، والخداع الكذاب ۰ (۳) اي تخدعها اا . ۲۱۷ . (۱) (۲) معمر هور بكثير من شؤونه . انه تجاوز حد الامان الى حد الرؤية والعيان ، وحقق مبالغات أبي الطيب المتنبي حين وصف الغاية القصوى من الشجاعة والحكمة فقال : تجاوزت مقدار الشجاعة والنهي إلى قول قوم أنت بالغیب عالم ومهما يكن من اعان بالغيب فهو لا يبلغ في اليقين والحضور مبلغ الرؤية بالعين ، وهي قولة عائرية من قائمة أصابت ما لم يصبه قائل ، ولعلها لا تدرى مدى صوابها

  • .وخطب عمر أم كلثوم بنت أبي بكر الى أختها أم المؤمنين عائشة رضي

الله عنها فقالت له : الأمر اليك ، ثم سألت أختها فأبته وقالت : لا حاجة لي فيه . فزجرتها قائلة : أترغبين عن أمير المؤمنين ?.. قالت : : نعم ، خشن العيش شديد على النساء . وكرهت عائشة أن تجبهه بالرفض فوسطت في الأمر عمرو بن العاص يحتال له برفقه وحسن تدبيره ، فجاء وفاجأه قائلا : بلغني خبر أعيذك بالله منه . قال : ما .. قال : خطبت أم كلثوم بنت أبي بكر .. قال : نعم ، أفرغبت بي عنها أم رغبت قال : لا واحدة ، ولكنها حدثة "نشأت تحت كنف أمير المؤمنين في الين ورفق ، وفيك غلظة ، ونحن نهابك وما نقدر أن نردك عن أخلاقك ، فكيف بها ان خالقتك في شيء فسطوت بها .. كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك !.. ففهم أن ابن العاص لا يقدم على هذه الوساطة بغير موسط ، وان في الأمر ممانعة على نحو الأنحاء يستطلع ما وراءه من الممانعة : كيف بعائشة وقد كلمتها .. قال : أنا لك بها ، وأدلك على خير منها : أم كلثوم بنت على بن ابی طالب ، تعلق منها ينسب رسول الله وأم كلثوم بنت على حدة أيضا ، والمحظور في اغضابها أكبر من المحظور في اغضاب بنت أبي بكر ، وان اعتمد ابن العاص على أن عمر يملك نفسه فلا يغضبها فقد كان حريا به أن يعتمد على شيء من ذلك في (1) رغب بالشيء : أراده ، ورغب من الشيء : لم يرده (۲) أي نواجهه ۰ (۳) أي صغيرة السن (4) الجانب . (5) القهر بالبطش {۴} [1] بها عني } (4) خلق من عمر .. فسأله كأنه

من -۲۱۸ .. 6 خطبته لبنت الصديق فلن يفوت عمر - وهو يعلم من يخاطبه في الأمر - أن يفهم خبيئة سعيه وأن يتجاهله لئلا يكشف موقف الرفض والاعتذار عائشة واختها رضي الله عنهما ، ويعمل بما يراه الصواب والطريف في القصة - وكلها طريف - أن يذهب عمرو بن العاص الى خليفته ليواجهه بما يؤخذ عليه من خلائقه وهو آمن أن يغضبه ، بل هو فوق ذلك واثق من موافقته اياه ما دام على صدق في مقاله وللمرأة أن تأبي الخشونة في رجلها ولا تستريح اليها ، ولكن دارس الأخلاق لا ينبغي أن يعيب هذه الخصلة الا بمقدار ما فيها من نقص في الطبائع الانسانية الأصيلة اذ المحقق أن الخشونة حرمان من الصقر) والمرونة ، ولكننا نخطىء كل الخطأ انحسبناها حرمانا من البر والرحمة ، لأن المرء قد يكون ناعم الملمس وهو قاس مفرط القسوة ، ويكون خشن الملمس وهو رحيم مفرط الرحمة ، ويغلب في هذه الحالة أن تكون خشونته - كما أسلفنا في فصل سابق - درعا يستر بها مواضع اللين في خلقه ، وضربا من الخجل أن يطلع على ناحية فيه يتطرق اليها الضعف وتنفذ منها الرماية .. فالخشونة نقيض الصقل والنعومة ، وليست نقيض العطف والرحمة . وعمر بن الخطاب من أفذاذ الرجال الذين تتجلى فيهم هذه الحقيقة أحسن جلاء ، حتى في علاقاته بالأمل والنساء . رحمة عمر رحمة في غلاف وليست بالرحمة المكشوفة لكل ناظر ولامم ، ولا تطول بالناس عشرته حتى ينقش هذا الغلاف عن قلب وديع مفعم بالعطف والمودة ، مفتح الجوانب لكل عاطفة كريمة ولو لم تكن من ولي حميم . فنساؤه اللائي عاشرنه قد كلفن بحبه ورضين عيشه لرضاهن بمودته وعطفه ، وكانت احداهن التي سميت العاصية وسماها النبي عليه السلام الجميلة لا تطیق فراقه . فاذا خرج مشت معه الى باب الدار فقبلته. ولم تزل في انتظاره (۱) ما خبيء وغاب . (۲) الجلاء 0 (۳) يذهب . (4) مليء . (5) أي قريب { (1) . (1) (۲)

(1) وكانت نسائه عاتكة بنت زيد ، وهي على قسط وافر من الجمال ومن الدين ومن البلاغة ، توله في رائه حين قتل لم يكن بكاؤها عليه کبكاء كل زوجة على كل زوج فقید ، وتعددت قصائدها في تأبينه بكلام لايغيب عنه صدق المدح ولا صدق الحمرة ، وهي التي قالت فيه : عصمة الناس والمعين على الده وعيث المتتاب والمحروب قل لأهل الضراء والبؤس موتوا قد سقته المنون كأس شعوب وقالت فيه : رؤوف على الأدنی غلیظ على العدا أخي ثقة في النائبات منیب متى ما يقل لا يكذب الله قوله سريع الى الخيرات غير قطو وقالت فيه : جسد الفن في أكفانه رحمة الله على ذاك الجسد وقالت فيه : يا ليلة حبست على نجومها فسهرتها والشامتون هجوة قد كان يسهرني حذارك مرة فالیوم حق لعيني التسهي) ولا يبكي الرجل هذا البكاء على ما فيه عيشه وراء خشونته مودة قلب تنفذ إلى القلوب وأكثف ما تكون الدروع أرق ما يكون الموضع الذي يليها وأخوفه من الاصابة . فانظر أين الموضع الحصين المحمي فهنالك الموضع اللين الذي يخاف عليه ، ولا يخدعنك عن ذلك خادع من اظهار أو تظاهر غير مشعور به ، وغير مقصود أين أكثف ما تكاثفت الغلظة فيه من درع عمر التي عنيناها 3 .. المرأة ولا نزاع ! .. فعلى المرأة كانت له غيرة اشتهر بها وعدت من دلائل شدته عليها ، وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أن الله غيور يحب الغيور ، وان عمر غیور » (۱) ذهاب العقل ، والتحير من شدة الوحدة • (۲) البناء على الشخص بعد موته . (۳) سلب ماله ، فهو محروب (4) المنية (5) الذي زوی ما بين عينيه ، (6) أي نائمون ' (۷) الأرق الشظف، الا ومن من . . ۲۷, هی وعلى المرأة ومن المرأة كان حذره أن تخايل للعيون وتتبرج في مضطرب الغتون وكلما أوصى بوصية فيها فانما الفتنة التي يتقيها ، فلما قال : عليكم بالأبكار . لم يقل عليكم بالأبكار. لأنهن أمتع وأنضر ، ولكنه قال عليكم بهن لأنهن أكثر حبا وأقل خبا) ولما توجس من زواج المسلمين ببنات الأعاجم لم يتوجس منه لأنه حرام بل لأن « في نساء الأعاجم خلابة فان أقبلتم عليهن غلبنكم على نسائكم ) فالخلابة هي المحذور الذي يتقی وهنا كثافة فابحث هنا منفذ الحذر ، انك لا تبعد كثيرا حتی تلمس الموضع الذي تم عليه الرجل حيث قال : « لو أدركت عفراء وعروة جمعت بينهما » أو نم عليه الصبي الذي عناه ابن الخطاب حيث قال : و أحب أن يكون الرجل في أهله كالصبي فاذا احتيج اليه كان رجلا » ومتى كان فرط الغيرة على المرأة أو الحذر منها دليلا على أنها ذلك الشيء المهين ، وان قال الغيور الحذور بلسانه أنها لشيء مهين ؟ .. الدرع عن ..

وابحث عن جانب واحد مغلق أو مقطوع من جوانب الرحم الذي بنغي أن يوصل فانك لن تجده في نفس هذا الرجل بتة ، وان جهدت في البحث فكان ابنا بارا لاينسى التحدث عن أبيه ويعتز بذكراه على ما كان من قسوته عليه في صباه ، ولم يزل يقسم باسمه حتى نهاه النبي ، فانتهى وهو يقارب الكهولة وكان أبا أبناءه ويعرف وجد الآباء بالأبناء ، وينزع من لا يحنو على صغاره ... أمر بكتابة عهد لبعض الولاة فأقبل صبي صغير حجره وهو يلاطفه ويقبله فسأله المرشح للولاية : أتقبل هذا يا أمير المؤمنين ؟ ان لي عشرة أولاد ما قبلت أحدا منهم و (۱) خبا : أي خداعا (۲) توجس : أضمر الخوف (۳) أي خداع (4) لا يحنو : لا يعطف وال پو و فجلس في ولا دتا أحدهم .. . . عمر انما يرحم . (1)

... منی . فقال له : وما ذنبي ان كان الله عز وجل نزع الرحمة من فليك عباده الرحماء . ثم أمر بكناب الولاية أن يمزق وهو يقول : انه اذا لم يرحم أولاده فكيف پرحم الرعية 1.. وكان كلاب بن أمية الكناني في غزوة فاشتاق اليه أبوه الهرم "وحزن الغيابه ، واتصل نبؤه بعمر فكتب إلى قائد الجيش يستعيد كلايا الى المدينة . فلما عاد ودخل عليه سأله : ما بلغ من برك بأبيك . قال : كنت أكفيه أمره ، وكنت أعتمد أذا أردت أن أحلب لبنا أغزر ناقة في ابله وأسمنها فأريحها وأتركها حتى تستقر ، ثم أغسل أخلاقها حتى تبرد ، ثم أحلب له فأسقيه . ثم بعث الى أبيه فجاء يتراوح في مشيته ضعيفا بصره محنيا ظهره فسأله : كيف أنت يا أبا کلاب .. قال : كما ترى يا أمير المؤمنين ... ثم جاءه بلبن حلبه ابنه ففطن الرجل ، وقال وهو يدني الاناء الى فمه : العمر الله يا أمير المؤمنين اني لأشم رائحة يدي كلاب من هذا الاناء ! .. فقال : هذا كلاب عندك حاضر قد جئناك به . فوثب اليه ابنه ، وطفق" الأب الذي لم يكد يراه يضه ويقبله ... وبکی عمر ، وأمر كلابا أن يلزم أبويه ما بقيا ، وله عطاؤه كأنه يجاهد في سبيل الله حنانه على الأطفال أنه كان يشفق عليهم أن يحزنوا في لهوهم منهم حتى يأمن على لهوه و محصول لعبه ، فحدث سنان بن سلمة أنه كان في صباه يلتقط البلح في أصول النخل - بعض المبية اذ أقبل عمر فتفرق الغلمان وثبت هو في مكانه ، فلما دنا منه أسرع قائلا : يا أمير المؤمنين ! .. انما هذا ما ألقت الريح . قال : أرني أنظر فانه لا يخفى على . فنظر في حجره ثم قال : صدقت ، الا أن المبی لم يقنع بهذا حتى يحرسه أمير المؤمنين الى بيته . فقال : يا أمير المؤمين أ أترى هؤلاء الآن .. وأشار إلى الصبية الهاربين . ثم قال : والله لئن انطلقت لأغاروا على فانتزعوا ما معي ، فمشى معه عمر حتى بلغه بيته !.. وكثير على المصدقين المفرطين في التصديق أن يعرفوا هذا عن عمر ثم (1) كبر السن . (۲) أي ضرع الناقة ، أو حلمة فرعها . (۳) أي جعل عمر I. ومن ولعبهم فلا يترك الخائف . 6 6 ۲۲۲ الجاهنية نصنع من ناحية بكائها ومن من عمری عمر بصدقوا أنه وأد بنتا في الجاهلية على تلك الصورة البشعة التي انتقلت الينا في بعض الروايات ، وخلاصتها « انه رضي الله عنه كان جالسا مع بعض الصحابة اذ ضحك قليلا ثم بکی . فسأله من حضر فقال : كنا في مینما العجوة فنعبده ثم تأكله وهذا سبب ضحكي اما بكائي فلانه كانت لي ابنة فأردت وأدها فأخذتها معي وحفرت لها حفرة ، فصارت تنفض التراب عن لحيتی فدفنتها حية » فهي قصة يعتورها الشك ناحية ضحكها ومن ناحية اجتماعهما في لحظة واحدة لتمكين واضع القصة التفرقة بين في جاهليته واسلامه ، وادعى ما فيها من الشك تلك الخاتمة التي يتم بها اختراع الفجيعة و البلوغ بها الى ذروتها، وهي نفض الطفلة الصغيرة تراب حفرتها عن لحية ابيها . فالواد لم يكن بالعادة الشائعة بين جميع القبائل العربية . ولم يشتهر بنو عدی خاصة بهذه العادة ولا اشتهرت بها أسرة الخطاب التي عاشت منها فيما نعلم فاطمة اخت عمر وحفصة أكبر اولاده وهي التي كنی أبا حفص باسمها ... وقد ولدت حفصة قبل البعث الاسلامی بخمس سنوات فلم يئدها فلماذا واد الصغرى المزعومة وهي في السن التي تفهم فيها كيف تفض التراب عن لحية أبيها ؟ .. لماذا انقطعت أخبار هذه الصغرى المزعومة فلم يذكرها أحد من اخوانها وأخواتها ولا أحد من عمومتها وخؤولتها ? .. ما نحسبها إلا احدی جنایات الاعراب على من خلقوا وفي سيرتهم مثال للأغراب والاعجاب . فهى اختراعة تضعفها قرائن التاريخ ، وتضعفها خلائق عمر التي لا تتبدل هذا التبدل من النقيض إلى النقيض بين جاهلیته واسلامه . وقد كان عمر في جاهليته لم يسلم بعد يوم أشفق على أخته وهي دامية الوجه . وكان في جاهليته يوم احب أخاه وبقي عليه . فليس وتوع القصة المزعومة في الجاهلية مانعا لغرابتها ومقربا التصديقها . وغير هذا الأب وهذا الأخ يطيق هذه القسوة التي لا تطاق (1) أي يخالطها ۰ (۲) أي قمتها . . حبه المفرط 4 6 (1) ان قليلا من الآباء من أحب أبناءه كما أحب عمر أبناءه ، وان قليلا من الاخوة من أحب أخا كما أحب عمر زيدا أخاه ، فما اسمه بعد مقتله الا سالت عبرته"، وما هبت الصبا ، كما قال الا وجد نسیم زيد وتمنى نظم الشعر لينظمه في رثائه بل ان قليلا الأصدقاء أخلص لأصدقائه وعشرائه كما أخلص الكل صديق وعشير وهو القائل : « لقاء الاخوان جلاء الاحزان وهو القائل حرصا على المودة وضنا بها : « إذا أصاب أحدكم ودامن اخيه فليتمسك به ، فقلما يصيب ذلك » من عمر

عليها وترفع (.) فاذا أردنا أن ننقب عن وشائج الرحم وصلات المودة في نفس هذا الرجل المهيب المخيف فلتنقب عنها في ينابيعها الخفية التي تسري منها وتترقرق في نواحيها ، ولا تنقبن عنها في الصخور التي تكتنفها وتطفو أعلامها .. أو نحن حريون أن تنقب عنها بين هذه الصخور والأعلام ولكن على هدى وبصيرة . فلا نقنع منها برأي العين من بعيد أو قريب ، ولا نفتر بما تبديه كانه كل شيء تحتويه . فما هذه الصخور والأعلام التي كانت تروع الناظر من هيبة عمر ومن ملامح سيماه ! .. هي مظهر قدرته على نفسه لا أكثر ولا أقل ، وهي الحارس اليقظ تلك النفس أن يتسرب اليها الوهن وأن تؤخذ على غرة؟ من حيث يخاف عليها والمرء لا يعتصم بقدرته على نفسه وهو آمن. ولا يوقظ الحارس على دخيلته وهو وادع في يعتصم بقدرته ويوقظ حارسه حين يحذر ، وانما يحذر من الطارق الذي لا يستهين به ولا يزال على رقبة ? الذي يحمی (۲) انما وقد كان عمر بن الخطاب أكثر ما يكون اعتصاما بقدرته في امس (۱) أي دموعه ۱ (۲) الحب ، (۳) اي روابط وعلائق • (4) فلنبحث (5) أي ترهب وتخيف . (6) اي غفلة . (۷) النفس . ۲۲ من مأتاه ، ويجفل من J .. . (6) 6 = الأمور بقلبه وسريرة طبعه : في خشية الخديعة من ناحية الترف والمتعة فهو لا يستسلم الشهوة مأكل ولا ملبس ولا قنية دنيوية . وفي خشية الخديعة ناحية ولده وأهله فهو يجفل من أن يرى لهم رزقا لا يعرف أن يرى لهم ابلا سمانا بين الابل العجاف، مخافة أن بسمنها لهم الناس في مراعيهم .. لأنهم ولد أمير المؤمنين وتلك ابل أبناء أمير المؤمنين .. وكان أكثر ما يكون اعتصاما بقدرته حين يلمح الفتنة الكبرى التي قتدر بها شيطان الغواية . وتلك هي المرأة لا فرق بين خيارها و شرارها . فمن شرارها استعذ بالله ! ومن خيارها کن على حذر ! .. واذا اعتصم عمر بن الخطاب بنفسه فانتظر شيئا واحدا لن تجد حولا عنه ، وهو تقديره العدل تقدير الخائف أن يزيد فيه شعرة أو ينقص منه شعرة . فمتى أعتصم بنفسه استيقظ وانتصر ، ومتى استيقظ وانتصر فللحق يقظته وفي سبيل الحق انتصاره يعرض شأن المرأة فهو الغيور الحذور ، وهو الواقف على الميزان فيما تعطاه وفيما تعطيه ، فلا هي بطالة ولا مظلومة في كل أمر يرجع اله فمن همه كان ألا تظلم لضعفها ، ولا تغبن لحيائها ، وخفرما ها(2) حقها عنده ألا تكره على زواج الرجل القبيح لأنها تحب لنفسها ما يخية الرجل لنفسه ، وأن يعرف لها عذرها حيث يعرف للرجل عذره في الصلة بينها وبينه . فسمع مرة اعرابية تنشد : فمنهن من تسقى بعذب" مبرد نقاخ فتلكم عند ومنهن من تسقى بأخضر اجن" أجاج) ولولا خشية الله فرت فتوهم في زوجها عيبا وأرسل في طلبه فاذا هو متغير الفم . فخيره وطلاقها .. فقبل الدراهم وطلقها وسمع امرأة من وراء بأبها تنشد : تطاول هذا الليل تسری کواكبه وأرقني الا خليل الاعبه فوالله لولا الله لا شيء غيره الزلزل من هذا السرير جوابا (۱) فيي الرجل : أي صار غنيا وراضيا • (۲) المنزعج . (۳) الهزال (4) أي تحولا (۹) بمعنى شدة الحياء • (6) الماء العذب البارد ۰ (۷) المساء المنغبر الطعم واللون : (۸) أي ملح مر • ومن (1) ذلك قرت (۷) بين خمسمائة درهم . ه۲۲ فسأل عن زوجها فعلم خرج في غزوة طالت غيبته فيها ، فأمر بعد ذلك ألا تطال غيبة الأزواج في الغزوات ..۔ وكان يقبل شكوى المرأة من زوجها الذي يهمل النظافة والزينة لأن أن تتزينوا لهن كما تحبون أن يتزين لكم 4 وقبل شكوى المرأة من زوجها الخاض قبل الناء بها يوهمها أنه شاب وهو موخوط الرأس بالشيب ، فأوجعه ضربا وقال : غررت القوم النساء ( يحمين (1) 6 (T) ولم يكن يتحرج مع المرأة مثل هذا التحرج أن تستر من سيرتها ما لا يضير ستره ان عاق زواجها . فكاشفه رجل بأمر ابنة له أسلمت وأصابها حد من حدود الله ، فهمت أن تذبح نفسها ، فأدركها أهلها وقد قطعت بعض أوداجها فبرئت وتابت و استقامت على الهداية . فسأله : أأخبر القوم الذين يخطبونها بما تقدم من سيرتها في قال : ويلك ! . أتعمد الى ما ستره الله فتبديه ؟ والله لئن أخبرت بشأنها أحدا الناس لأجعلنك نکالا.. « انكحها نکاح العفيفة المسلمة » . فهي أولى عنده ببعض المحاباة حين لا ضير في المحاباة ، وقد عاهد الناس فيما عاهدهم عليه « ليمنعن النساء الا الأكفاء » ونرى أنه قضى في الخلاف بين الزوج والزوجة بالقول الفصل في بناء الأسر وتعمير البيوت ، حيث قال لرجل هم بطلاق امرأته لأنه لايحبها : د أو كل البيوت بني على الحب ؟ .. فأين الرعاية والتذمم .. » فانه لبر بربات البيوت لم يدركه متحذلقة العصر الذين يلغطون بالحب والزواج ويجهلون أن الرعاية والتذمم أقمن بالدوام والتعمير من زواج بني على الحب وحده ، لأن الحب منوط بالأهواء التي تتغير بين آونة وأخرى . وأما مناط الرعاية والتذمم فهو الأخلاق التي قل أن يطرأ عليها من وقد استشار النساء فيما يحسن كما استشار الرجال فيما يحسنون ، (۱) الذي صبغ شعره بالحناء ونموها. (۲) خالطه . (۳) عرق بالعنق • (4) أي عرة لغيرك . (5) استنکف • (6) المشرقة الواضحة • ولم يتعال قط أن ومن خطته اذا ردته عنه امرأة بالبيئة الصادعة ذاك أنه نهى الناس في بعض خطبه أن يزيدوا مهور النساء على أربعين أوقية ، فصاحت به امرأة فطساء" من صفوف النساء : ما ذالك لك .. فلم يأنف أن يسألها : ولم 1 .. قالت : لأن الله تعالى يقول : « .. وآتيتم احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وأثما مبینا. فرجع عن.. .خطئه واعترف بصوابها (+),

.. وو فما للمراة من حق تعطاه وما ليس لها بحق لا تعطاه وتذاد عنه والذي ليس لها بحق في رأی عمر ورأى كل رجل في رجولة - ألا تتعرض لعمله الذي لا تفقهه ولا يرجع اليها في مثله ، ولا سيما أن كان شأنا من شؤون الدولة ومهمة من أخص مهام الرجال ، فتشفعت له امرأته في وال مقصر تسأله : فيم وجدت عليه .. فالتفت غاضبا وقال لها : وفيم أنت وهذا } .. انما أنت لعبة يلعب بك ثم تتركين ! كلمة لا تلبس القفاز الناعم ، ولم يخلق القفاز الناعم ليلبس في كل حين والذي ليس بحق للمرأة أن تعلو كلمتها على كلمة وليها ، وهذا الذي كان ينكره عمر على أهل المدينة حيث قال : «... کنا معشر قريش نغلب النماء فلما قدمنا على الانصار اذا هم قوم تغلبهم نساؤهم . فطفق نساؤنا يأخذن أدب نساء الأنصار . وصحت على امرأتي فراجعتتی فأنكرت أن تراجعني . قالت : ولم تنكر أن أراجعك ؟ .. فوالله أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه وان احداهن لتهجره اليوم حتی الليل . فأفزعنی نعم هذا مفزع لعمر ، وقد كان ولا ريب مفزعا لرسول الله أن تعلو كلمة على كلمته في بيته . لكن بطريقة محمد في تغليب الكلمة طريقة نبي يوم متبعية ، وطريقة عمر طريقة مريد مؤتم بنبوة ، ولا جناح على عمر الا يلحق بشار محمد في كل ما سبق اليه (1) التي انغرس أنفها في وجهها • (۲) من الآية : ۲۰ من سورة النساء (۳) أي تدافع • (4) أي غضبت . (5) أي نجمل من . . . . محمد انسان عظیم ، وعمر رجل عظيم . وهذا هو الفارق بينهما كما بیناه في مناسبة سابقة . وانما الفارق بينهما في المناسبة التي نحن بصددها أن الرجل العظيم يرحم المرأة كما يرحمها الجندي في معرض القوة والنضال ، ولكنه يأنف أن يستكين لسلطانها في معرض الهوى والفتنة ، فیکسرها ولا ينكسر لها اذا لجت في الغرور وانطلقت في عنانه . ومن ثم استصغر عمر ولده نفسه .. عبد الله - لأنه عجز عن تطليق زوجه . فلما أشاروا عليه باستخلافه قال لمن كلمه في ذلك : و ويحك ! کیف استخلف رجلا عجز عن طلاق امرأته .. » أما الانسان العظيم فهو يشمل ضعف الانسانية كله ويعطف عليه ومنه ضعف المرأة في غرورها واعتزاز ها بدلال الضعف على القوة ، لأنه في حقيقته إعتزاز بمكانها منها وتقدير لتلك القوة في بعض نواحيها . فهو يرى في تكبر المرأة إذا كانت كبيرة عنده نوعا من الاعتراف بكبره ، وهو يقف معها في ميدان كما يقف كل ذكر وأنتي ، لأن میدانه هو يشمل الميدانين مجتمعين اذ هو ميدان الانسان كله والانسانية جمعاء لا

عائشة رضي على أن شأن الرجل مع المرأة لا يظهر من رأى الرجل فيها كما يظهر من رأيها فيه : فبعد معاملة عمر للمرأة وقوله فيها يبقى له شأن في عالمها يظهر لنا من رأيها هي فيه... وقد أكبرت سيدة نساء العصر عمر فوصفته بأنه كان نسيج وحده ، وهي الله عنها ، وجمعت الشفاء بنت عبد الله بعض صفاته فقالت انه « کان اذا تكلم أسمع ، واذا مشي أسرع ، واذا ضرب أوجع ، وهو الناسك حقا » . وصاحت أم أيمن مرضعة النبي يوم أصيب : اليوم وهي الاسلام .. وعلينا نحن أن نسأل المرأة في عصر عمر عن مثال الرجل في عصرها ولا نسأل فيه نساء زمان غير ذلك الزمان . وما نخالنا نعرف رأى المراة يومئذ في الرجل الذي يكبر في عينيها كما نعرفه من امرأة هي: هند بنت (۱) وهي السقاء : تحزن وانشق ، ووهي الحائط : ضعف و كاد يسقط. عتبة زوج ابي سفيان وأم معاوية ، فليس أقدر منها على الجواب ولا أصرح فيه . جاءها أبوها يشاورها في رجلين من قومها يخطبانها فاستخبرته عنهما فقال يصفهما : و أما أحدهما فقى ثروة وسعة من العيش ، ان تابعته تابعك وان ملت عنه حط اليك ، تحكمين عليه في أهله وماله ، وأما الآخر فموسع عليه منظور اليه في الحسب الحسيب والرأي الأريب. مدره أرومته وعز عشيرته شديد الغيرة لا ينام على ضعة ، ولا يرفع عصاه عن أهله » . (۳) 6 فقالت : « يا أبت !.. الأول سید مضياع للحرة ، فما عست أن نلين بعد ابائها وتضيع تحت جناحه إذا تابعها بعلها فأشر" وخافها أهلها امنت .. ماء عند ذلك حالها وقبح عند ذلك دلالها ، فان جاءت بولده أحمقت . وان أنجبت فمن خطأ ما أنجبت . فاطو ذكر هذا عنی ولا نسمه على بعد ! .. وأما الآخر فبعل الفتاة الخريدة الحرة العقيلة رانی ! لأخلاق مثل هذا الموافقة ، فزوجنيه » و نحن هذا رأى المرأة النجيبة في زمان عمر ، ولو شئنا لحسبناه رأيها في كل زمان على أن تضمره بباطن القلب ولا تلقيه بطرف اللسان ، فان زادت خشونة العيش في بيت عمر على القدر الذي ترضاه المرأة فهي خشونة غير محقورة السبب ، لأنها لا تحسب على عمر و الزوج » من تحسب لعمر هو الرجل ، من ناحية اخرى : اذ من قلة القدرة على العيش ، وانما جاءت من كثرة القدرة على النفس ، وهی خليفة تعجب بها المرأة في الرجل الذي تكبره ، لأنها أقوى خلائق الرجولة فيه . ناحية حتى لم تأت من

  • * *

وليس لدينا بیان واف عن النساء اللائي تزوج بين عمر يعينا على التمييز بين سماتهن والبحث في المياسم الشخصية التي يتعدون فيها أو يختلفن ، ويجيز لنا أن نسيب في الكلام عن موقع كل منهن من تفا (1) العاقل . (۲) برع • (۳) البكر لم تمسس ، أو الحفزة الطويلة السكوت الخافضة الصوت المتسترة . (4) كريمة الحي . . (1) ذلك وأثرها في حياته ومبلغ حظوتها عنده وسبب هذه الحظوة في رأيه وشعوره ، وما يدل عليه جميع من نوازع فطرته وذوقه . فقد سكت التاريخ وسکت عمر عن كل بيان واف في هذا الباب ، فلم يبق لدينا منه الا اسماء وأعوام ونوادر مقتضبات ، لا تساعدنا على تكوين سمات واضحات فضلا عن التفرقة بين تلك السمات غير أننا نعتقد أن التاريخ لم ينقدنا شيئا كثيرا في هذا الباب لأننا مستطيعون أن تعوض ما فقدناه بالقياس الى ما عرفناه ، فلا نخطىء اذا رجحنا أن سمات هؤلاء النساء جميعا تدخل في نطاق الوصف الذي كان يستحبة عمر في المرأة ولا يطيق منها أن تخالفه وتخرج عليه فأفضل ما كان يشرطه في المرأة أن تكون ولودا ودودا وألا تعاب بالحمق فيسرى حمقها في دماء وليدها ، اذ د لم يقم جنين في بطن حمقاء تسعة أشهر الا خرج مائقا ، كما قال أما ذوق الجمال فقد كان عمر فيه فيه كما كان في جميع خلائقه عريا بحتا يستملح ما يستملحه کل عربی صميم ويستحسن الحسن عنده وهو أعم من الملاحة ، ويروى عنه أنه قال : « تزوجها سمراء ذلفاء عيناه ، قان. فركتها فعلی صداقها ». وانه قال : و تم بياض المرأة في حسن شعرها فقد تم حسنها . وهذان هما الملاحة والحسن كما وصفا في الشعر العربي من قديم الى حديث ومن القليل الذي بقي لدينا من اخبار نسائه تعلم انه كان موفور الحظ هذا الجمال في الزوجات . فقد وصف أكثرهن بالحسن البارع وضرب المثل بملاحة احداهن بين نساء قريش وهي قرية بنت أبي أمية ابن المغيرة . فروى في مأثور الحديث الشريف أن سعد عبادة قال يوما في حضرة النبي عليه السلام : ما رأينا نساء قریش ما كان يذكر من جمالهن !.. فقال له عليه السلام : « هل رأيت بنات أبي أمية بن المغيرة } هل رأيت قريبة 3 احدى زوجات عمر قبل اسلامه أن جميلة بنت ثابت سميت بهذا الاسم لجمالها ، وكان اسمها (1) أي نزلتها . (۲) أي غبيا احمق ۰ (۳) أي صرفا ، (4) اي صغيرة الانف ، مستوية الارنبة • (0) أي أبغضتها • 6 اذا من من

. وهي وروی سعيد . . ۲۳. في الجاهلية عاصية فكرهته بعد اسلامها وسألت عمر ثم سألت النبي في تغييره فاتفقا على تسميتها بوصفها ، ونوديت بعد ذلك باسم جميلة . عاتكة بنت زید بن عمر بن نفيل أنها أعطيت شطر الحسن وروي عن مع ما رزقته من الفصاحة والتقوى وروى مثل ذلك عن زوجات أخريات ، وان لم يتفوقن هذا التفوق پا المشهور .. ما فیفا المرأة غير صبور 6 (۳). 6 أخبار زوجاته أنه طلق اثنتين من أشهر نسائه بالجمال وهما قريبة وجميلة تزوج بالأولى وطلقها قبل اسلامه . وتزوج بالثانية وطلقها بعد اسلامه ، ولا ندري على التحقيق تطليق هاتين الزوجتين الجميلتين ، فهل هو دلال الجمال ضاق به صدر عمر وهو على شموس .. لعله ذاك ، ولعل الذي أبقى عاتكة بنت زيد في عصمته أنها تجاوزت دلال الصغر حین بني بها ، أو غضت دلالها بالفطنة والتقوى . وكذلك بقيت في عصمته أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وهي جميلة صغيرة ، وولدت له ابنا سماه باسم أخيه زيد الذي كان يحبه ويذكره ريطيل البكاء عليه ، وأعزها عنده النسب والأدب والمحافظة على آصرة") النبوة ، فلم يفترقا في الحياة ، ولم ينشب بينهما خلاف الا حين جاءتها فضمها الى بيت المال وله مع احدى أولئك الزوجات قصة صغيرة لا يفوتنا ایرادها في الكلام على حياته الخاصة لأنها كثيرة الدلالات عليه : تدل في أبوته ، في سورة طيعة، وتدل على عمر في مثوبته إلى الحق كلما أن ثوب اليه فقد طلق جميلة وله منها ولد صغير . فراه يوما يلعب مع الصبيان فحمله بين يديه ، فأدركته جداه الشموس بنت أبي عامر وجعلت تنازعه اياه حتى انتهيا إلى أبي بكر رضي الله عنه وهو خليفة . فقال له أبو بكر: خل بينه وبينها فهي حاضنته ، فرده اليها ولم يراجعه بكلمة (1) الشموس : صعوبة الخلق • (۲) الفطنة : الفهم . (۳) أي رابطة • (4) أي حدته . (5) أي رجوعه ۰ الهدية من مكة الروم علیره MC وتدل على عمر 2 1 عمر رفيها عمر من ولعمري ان في هذه القصة الصغيرة من الدلالة عليه لما يغني عن قصص ، وفيها انسان عطوف ، وفيها عمر رجل سوار الطبيعة ، صاحب خلق مكين يكبح من طبيعته كل سورة جاوزت حد العدل والإنصاف ، وهذا هو عمر في شتى نواحيه ، وقد تدل هذه القصة على شيء يبرد من بعض اللوم في تطلیقه أم هذا الولد ، فاسمها عاصية واسم أمها الشموس ، وكأنهما - كما ينبیء عنهما هذان الاسمان - من أسرة تباهي بدلال بناتها وشموسهن وتختار لهن الأسماء ما يدل على هذه الخصلة ، وقد يضيف الى توكيد هذه الخصلة فيهن أن عاصية غضبت حين اختار لها اسم جميلة وقالت له : سميتني باسم الاماء ! .. ثم اختار لها النبي هذا ، فقالت : يا رسول الله !.. أتيته عمر فسماني جميلة فغضبت ، قال عليه السلام : أو ما علمت أن الله عز وجل عند لسان عمر وقلبه . فكأنها نشأت في قوم يعتقدون أن التحسين والترغيب انما هو من شأن الاسماء ، وان الشموس والعصيان أليق بالحرائر وان أحببن أزواجهن وأحبوهن ، فان كان في تطليقها مأخذ على فقد يكون فيه ماخذ عليها تفسر لنا افتراقها بعد ما أحبها وأحبته عمر الاسم 6 عمر

(۱) 131 ورزق عمر الذرية من ذكور واناث نجباء" ونجيبات ، فقرت عينه بهم لأنه كان كاهل البداوة كافة يستكثر من الذرية ويوصي الناس أن يستكثروا منها ، وكانوا جميعا عنده بمكان الحب والمودة لا يخشی الانحراف عن العدل من جانب كما يخشاه من جانب هذه الذرية أو جانب أهله على التعميم ، ولهذا كان يجمعهم نهي الناس عن حوزة حق من الحقوق فيبلغهم أنه قد نهى عنه ويذكرهم « إن الناس ينظرون اليكم نظر الطير الى اللحم » ويقسم لهم لئن فعله أحد منهم ليضاعفن عليه العقوبة ! وليس بنا أن نحصي فتاواه وأقضيته في محاسبة أهله أو محاسبة أبنائه (۱) النجيب : الكريم () من عمر

. . ما خاصة قبل سائر أهله . فذلك عمل له لم ينقطع عنه طوال حياته ، ولكنا نكتفي بمثل من أمثال عديدة متواترة وهو قضاؤه في اتجار أبنائه بمال من بيت مال المسلمين ، وذاك أن ابنيه عبد الله وعبيد الله خرجا في جيش الى العراق ، فلما قفل نزلا بالبصرة وذهبا الى أبي موسى الأشعري وهو أميرها ، فقال لهما : لو أقدر على أمر أنفعكما به { .. ثم عرض عليهما ان يحملا الى أبيهما مالا مال الله فيشتريا به متاعا العراق يبيعانه بالمدينة ، ثم يؤدیان رأس المال ويكون لهما الريح . فلما علم سألهما أكل الجيش أسلفه .. ثم أمرهما أن يؤديا المال وربحه ... فسكت عبد الله وقال عبيد الله : ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا . لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه ! وقال رجل في المجلس : يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا .. فأخذ رأس المال ونصفه ربحه ، وأخذ أبناه نصف المال وانما كان عمر يتقی محاباة الولاة لأبنائه وذويه واقرار هذه المحاباة باذنه ، ولكنه كان يقترض من بیت المال ليتجر ويربح أهله ، ويلجا الى التجارة لقلة رزقه الذي فرضه لنفسه من پیت مال المسلمين ، وقد فرض رزقه لنفسه بعد مشاورة أصحاب رسول الله فقال عثمان : كل واطعم ، وقال علي : ما يصلحك ويصلح عيالك بالمعروف ، وقال هو : أن افتقرت أكلت بالمعروف وان أيسرت قضيت وكان يقترض فيعسر فيتأخر قضاؤه ، فيأتيه صاحب بیت المال ويشتد في تقاضيه ، فيحتال له عمر ويؤجله الى أن يستحق عطاءه المسلمين ، فيسد به دینه . ومع هذا كان يشفق أن يقترض من بيت المال الا أن يتعذر عليه الاقتراض من بعض صحبه ، فأرسل مرة الى عبد الرحمن بن عوف في طلب أربعة آلاف درهم يجهز بها عيرا الى الشام ، فعاد الرسول يقول له : خذها من بیت المال ثم ردها ! .. وشق ذلك عليه فلقى صاحبه وعلم منه صدق ما بلغه فقال : أفشن مت قبل أن تجيء قلتم أخذها أمير المؤمنين (۱) قفلا : أي رجعا يعيش به في 4

. ۲۲۲س أخذها محمد عمر من دعوها له وأوخذ القيامة .. و لا .. ولكني أردت أن آخذها من رجل حريص شحيح مثلك ، فان مت وحدث ما توقعه من مجيء الأجل قبل سداد ديونه جميعا فلم يشغله الموت ولا شغلته كبار الخطوب التي يضطلع بتصريفها قبل موته أن يسال عن ديونه ويوصي بسدادها من ماله ومال أهله وقال لابنه : و ان وفي أي بالدين - مال آل فأده أموالهم ، والا فاسأل فيه بنی عدی ، فان لم تف أموالهم فاسأل فيه قريشا ولا تعدهم الى غيرهم ، وكان عبد الرحمن بن عوف حاضرا فأشار عليه مقترحا أن يستقرضها من بیت المال حتى تؤدى فلم يقبل عمر ، ودعا بابنه عبد الله فقال : اضمنها ! فضمنها ، ووفي بوعده فلم يدفن أبوه حتى أشهد بها على نفسه أهل الشورى وعدة من الأنصار ، وما انقضى أسبوع حتى حمل المال الى عثمان ، وأحضر الشهود على البراءة بدفعه . وقد بیعت لعمر دار في هذا الذين وسميت زمنا باسم دار القضاء ، لأنها بيعت في قضاء دينه مدينا ، وفي الدين ، لهو أعظم الشرفين وأيسر ذلك شرفا أن يموت غنيا بغیر دین

ولأن يموت عمر (۱) شحيح : أي ممسك بخيل حريص

. - عبقرية عمر