طغت أمة الجيل الأسود

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

طغت أمة الجيل الأسود

​طغت أمة الجيل الأسود​ المؤلف جبران خليل جبران


طغت أمة الجيل الأسود
على حكم فاتحها الأيد
وهبت منيخات أطوادها
نواشز كالإبل الشرد
وأبلى النساء بلاء الرجال
لدى كل معترك أربد
نساء لدان القدود لها
خدود كزهر الرياض الندي
تنظم من حسنها جنة
على ذلك الجبل الأجرد
ويوم كأن شعاع الصباح
كساه مطارف من عسجد
تفرقت الترك فيه عصائب
كل فريق على مرصد
يسدون كل شعاب الجبال
على النازلين أو الصعد
أسود تراقب أمثالها
ولا يلتقون على موعد
وكان عداهم على بؤسهم
وطول جهادهم المجهد
يوافونهم بغتات اللصوص
ويرمون بالنار والجلمد
ويفترقون تجاه الصفوف
ويجتمعون على المفرد
ويمتنعون بكل خفي
عصي على أمهر الرود
منامهم جائمين وقوفا
ولا يهجعون على مرقد
وما منهم للعدى مرشد
سوى غادر ماء من مرشد
إذا لم يقدهم إلى مهلك
أضل بحيلته المهتدي
ويعتسف الترك في كل صوب
فهذا يروح وذا يغتدي
وما الترك إلا شيوخ الحروب
ومرتضعوها من المولد
إذا ألقحوها الدماء فلا
نتاج سوى الفخر والسؤدد
سواء على المجد أيا تكن
عواقب إقدامهم تمجد
ولكن قوما يذودون عن
حقيقتهم من يد المعتدي
وتعصمهم شامخات الجبال
وكل مضيق بها موصد
ويدفعهم حب أوطانهم
ويجمعهم شرف المقصد
لو الموت مد إليهم يدا
لردوه عنهم كليل اليد
كثير الثلوم كأن الفتى
إذا زل يهوي على مبرد
وقد نصبوا فوقه مدفعا
يهز الرواسخ إن يرعد
وحفوا كأشبال ليث به
وهم في دعاب وهم في دد
فتى كالصباح بإشراقه
له لفتة الرشإ الأغيد
يدل سناه وسيماؤه
على شرف الجاه والمحتد
ترد سواطع أنواراه
سليم النواظر كالأرمد
أقب الترائب غض الروادف
يختال عن غصن أميد
وفي محجريه بريق السيوف
وظل المنية في الأثمد
فأكبر كلهم أنه
رآه تجلى ولم يسجد
وظنوه مستنفرا هاربا
أتاهم بذلة مستنجد
ولم يحسبوا أن ذا جرأة
يهاجم جمعا بلا مسعد
تبين هلكا فلم يخشه
وأقدم إقدام مستأسد
فأفرغ نار سداسيه
على القوم أيا تصب تقصد
سقى الصخر من دمهم فارتوى
ولم يشف منه الفؤاد الصدي
فما لبثوا أن أحاطوا به
فدان لكثرتهم عن يد
فلما احتواه مقر الأميير
مقودا وما هو بالقيد
فأقصي الفتى عنه حراسه
وشق عن الصدر ما يرتدي
وأبرز نهدي فتاة كعاب
بطرف حيي ووجه ندي
كحقي لجين بقفلي عقييق
وكنزين في رصد مرصد
فكبر مما رآه الأمير
وهلل أشهاد ذاك الندي
وراعهم ذلك التوأمان
وطوقاهما من دم الأكبد
ووثبهما عندما أطلقا
بعزم إلى ظاهر المجد
كوثب صغار المها الظامئات
نفرن خفافا إلى مورد
وأرخت ضفائرها فارتمت
إن منكبيها من المعقد
تحيط دجاها بشمس عراها
سقام فحالت إلى فرقد
وقالت أمهجة أنثى تفي
بثارات صرعاكم الهمد
تفانوا فما خاس في وقعة
فتى من مسود ولا سيد
يرى العز في نصر سلطانه
وإلا ففين موت مستشهد
ومن خلق الترك أن يوردوا
سيوفهم مهج الخرد
فدونكم قتلة حللت
تدري من دمائكم ما تدي
فأصغى الأمير إلى قولها
ولم يستفز ولم يحقد
وأعظم نفس الفتاة وبأسا
بها في الصناديد لم يعهد
وحسنا بمشركة داعيا
إلى الشرك من يره يعبد
أبى عزة قتل أنثى تذود
ذياد المدافع لا المعتدي
فقال انقلوها إلى مأمن
وأوصوا بها نطس العود
لتعلم أنا بأخلاقنا
ننزه عن تهم الحسد
لها الله في الغيد من غادة
وفي الصيد من بطل أصيد
أنهلك شعبا غزت داره
ثقال الجيوش فلم يخلد
خليق بنا أن نرد القلى
ودادا ومن يصطنع يودد
فما بلد تفتديه النساء
كهذا الفداء بمستعبد