الأدب والفنون | ۱۱۱ |
للفنون وان في دائرتها يقع الإمكان وتكون الاستطاعة. وأعيد هنا الآن مع الإيجاز ما ضربته له من الأمثلة إيضاحا لذلك:
المفوض أن مصورا أراد أن يرسم الفجر فماذا يسمه! إذا كان المنظر الطبيعي هو المقصود بالذات فليس يدخل في مقدوره سوى أن يجمع لك في رقعة اللوح الصغيرة ما تأخذه عينة من مميزات هذا المشهد الرائع الجميل وأن يضيف إليه ويزيد عليه جمال الفن نفسه وهو جمال تجتليه في وجهة النظر وفي الألوان وتنسيقها والمزاوجة بينها وفي القطعة المنتقاة من المشهد الطبيعي وفي الروح التي يصور بها هذه القطعة. غير أنه لا يخفى أن في وسع الفنان أن يمثل لك معنى الفجر» بأسلوب آخر وعلى نحو مختلف جدا. فلا يعمد إلى منظر الطبيعة كما هو في الواقع لان غايته قد لا تكون نقل الواقع المعجب، بل يستعين الخيال ويستوحي الوجدان والمشاعر ويضع لك على اللوح لا منظرا بل رمزا يشير به كما أسلفنا إلى ما يفهمه من معنى الفجر أي إلى الإحساس الذي يحركه والخالجة أو الخوالج التي يولدها – إلى فجر الحياة لأفجر السماء والأرض، وإلى وهج الشهور الأول بالدهش والعجب، وإلى النور الذي لم يغمر قط لابرا ولا بحرا والذي لا ينفك مع ذلك مراقا على كل شيء لامضيئا من خلاله، النور الذي يبيح لك بالدنيا ويثير في نفسك الإعجاب بها وإكبارها والتيقظ لها – وبعبارة أخرى مختزلة يرفع لعينيك صورة رمزية ليس فيها نقل عن المشهد الطبيعي بل عن الحقائق الروحية المركزية الخالدة التي يحوم ويلوب حولها الأدب والفلسفة أيضا ولكن من ناحية أخرى- أي تصوير لفكرة كما فعل «جورج فريدريك واطس» حين رسم شيئاً كالرباوة المعشوشبة وقفت عليها امرأة يزل ثوبها عن ظهرها إلى فخذها وقد أمسكته بيسراها إلى جنبها وبيمناها على يافوخها، وشعرها مرسل متهدل يعبث به