ومما أعجبني قول أحد الكتاب عن اليهود أنهم يعرفون في البلاد التي يضطهدون فيها بتلك النظرة الخاصة في عيونهم. وهي نظرة صامتة ولكنها تنطق عن ذلك الأسف الذي يعتري النفس المقهورة التي حاق بها الذل من كل جانب. ولسنا نرى هـذه النظرة في عيون اليهود عندنا لانهم في الواقع من الارستقراطية العليا.
وليس أفعل في النفس من رؤية عين جار من حير القاهرة ، ولست اقصد تلك الحمير الفارهة يختصها ذووها بالعلف الجيد ويتعهدونها بالتنظيف والتطهير ولا يسيرون بها إلا بمقدار. ولكني أعني ديمقراطية الحمير تلك التي تكترى بالقرش والمليم. أجل إن عيون هذه الحمير تشهد بحياة الكد والكدح. ففي آماقها عبرة جافة لو كانت الحمير تعرف البكاء لبلت وجوهها.
ولست آسي على شيء عندما أرقد وقاد الموت الاخير وأسند رأسي على صدر الطبيعة ، بمقدار ما آسي على فقدان عيني. فاني اعتبرني سليماً كأني لم أمت مادام الدود لا يمس عينى ، وأجدنى أظن أن عينى علان القبر نوراً مادام ماء بريقهما رطباً. فاذا جفتا وجاز اليهما الدود. فذلك حقاً هو الموت وهو الهوان وهو ظلام القبر الحقيقي وهو البلاغ الأكيد للموت فلست ابالي بعد ذلك بالفناء وارد لوكان في الموت أحلام أن أحلم بضوء الشمس يسطع فجأة على العين فيوقظ النائم وكأنه يصفعة… »