قوله لأول مرة : بأن الاستقامة والدوام او « الاستقرار » و « الاستمرار » اللذين نراهما في الأشياء المادية ليست سوى ظواهر كاذبة فان العالم وكل شيء فيه متغير في كل آن. اما ديمقريطس فانه وسع نظرية الجوهر الفرد التي بذرها لوسيب والتي بعثت من مرقدها في القرن السابع عشر واستندت اليها النظريات الطبيعية والكميائية المادة.
اقد فتحت هذه الآراء الفلسفية الحديثة الطريق للفلاسفة التهذيبيين المعروفين بالسفسطائيين فاخذوا يظهرون بعد منتصف القرن الخامس قبل الميلاد وكانوا يسيحون في انحاء بلاد الاغريق يدر بون الناس على استعمال عقولهم في ابحاثهم ومعتقداتهم وقد تركوا الطبيعة والعالم واخذوا يشتغلون بالسياسة والأخلاق ومهما كان نصيب نظرياتهم من الصحة والحقيقة فلا ينكر انهم خدموا حرية الفكر والمناظرة خدمة تامة فقد كانوا يحاولون تجربة كل شيء بالعقل والمحاكمة. ان النصف الثاني للقرن الخامس قبل المسيح يجوز ان يسمى بعصر النور لما حدث فيه من التطورات المهمة في اتساع دائرة العقل البشري ومحاولته تدقيق النظر في جميع الأشياء التي تحيط به.
ولكن مع كل ذلك يجب التسليم بان هذه الحركة الفكرية لم يقم بها سوى الفئة المنورة وهي قليلة في كل زمان ومكان. ولا شك في ان التعرض الزائد للعقائد السائدة والتجاوز عليها بالنقد الصريح والطعن الجارح مما يدعو الى تهيج العامة وقيامها بمطالبة الحكومة بمنع أمثال هؤلاء من أعمالهم الحاطة من كرامة الهتهم ومعتقداتهم. وهكذا كان في بلاد الاغريق أيضاً فقد رأينا بعض الفلاسفة المشتهرين بحرية الفكر قد دعوا الى محاكمة بسيطة أو اضطروا لترك البلاد بسبب تصريحاتهم المخالفة لآراء اهل الدين في ذلك الزمان.