صفحة:Al-Ḥurrīyah Journal, vol.1-2, 15-07-1924.pdf/22

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
٢٠
الحرية

توضح كيف توصلوا الى تلك الدرجة السامية من الفنون والآداب والفلسفة الراقية وكيف استطاعوا التجرد عن كل قيد في النظر الى العالم ودرس ظواهره و بواطنه . فلقد اعترف العالم ولا يزال يعترف بان المدنية الحاضرة مدينة للاغريق القدماء ديناً جسيما يتعسر عليها وفاؤه النام . وليس ذلك الدين تقدمهم في الفنون الرفيعة من الشعر والتصوير والنحت والتمثيل والرقص ولا خدماتهم الجليلة للعلم والفلسفة فقط بل هو ابداعهم حرية الفكر والمناظرة وفسحهم المجال المناقشات العلمية والفلسفية دون ان يحاذروا أحداً أو بخشوا مخلوقاً . فهم السابقون المتقدمون فيجب ان يكون لهم الفضل بدون منازع اومعارض. والاغريق الذين نقصدهم في هذه المقالة هم الايونيون والاثينيون(اي القسم الراقي منهم ) فلا ينكر ان الاغريق كانوا مؤلفين من عناصر متعددة تختلف مع بعضها في الأمزجة والتقاليد والعادات، وان كانت فيهم بعض حالات عامة ومشتركة فقد كان منهم المحافظ والمتأخر والناقص في مداركه العقلية .

كانت ابونية ( في آسية الصغرى) مهد حرية الفكر والمناظرة وفي ابونية هذه يبدأ في الحقيقة تاريخ العلم الاوربي والفلسفة الاوربية . فقد استطاع الفلاسفة الايونيون (حوالي القرن السادس والخامس قبل المسيح ) ان ينفذوا الى اعماق الكون و يفكروا في مبدئه ومصيره ، دون ان تتمكن الافكار الدينية السائدة من ان تعرقل سيرهم في سبيل ترقية العلم واعلاء شأن الفلسفة. فمن ابطال حرية الفكر هناك ( زينوفان ) الفيلسوف فان التساهل الظاهر في تعاليه يدل على جرأته واقدامه وعلى حرية الوسط الذين كان يعيش فيه . لقد كان زينوفان يتنقل من بلدة الى اخرى ناقداً التقاليد السائدة عن الآلمة وتعددها منهكماً على تشبيهها بالبشر ومن قوله : « لو كان للثيران قدرة البشر لا بتدعوا آلهتهم على شكل ثيران » وقد تقم هذا الفيلسوف على