صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/9

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

أدب المقالة

أدب المقالة قديم في اللغة العربية بعد قيام الدولة الإسلامية، نشأ مع أدب «الفصول»، ثم امتزج بالقصة فاقترن «بالمقامة»، وهي على أوجز تعريف مقالة قصصية يلاحظ فيها تجويد الإنشاء.

لكن «الفصل» في الحقيقة هو أصل المقالة الأول في الآداب العربية، وربما كانت الكتب العربية عند أول نشأتها فصولًا مجموعة على شيء من الصلة في موضوعها أو بغير صلة بينها على الإطلاق، فإذا فتحت الكثير منها قرأت فصلًا في «الأخلاق» إلى جانب فصل في أخبار الشجعان والبلغاء إلى جانب فصل في الدهاء والدهاة إلى أشباه ذلك من الموضوعات، التي هي أقرب الموضوعات إلى «المقالة» بوضعها الحديث.

وقد كتب اليونان والرومان الرسائل التي نسلكها في باب القصة مع قليل من التجوز والتوسيع، ومنها رسائل أرسطو وفلوطرخس ورسائل سنيكا وبيني، وتأملات مارك أوريليوس، وما جرى مجراها في الإيجاز وتنوع الموضوع.

ولكن «الفصل» كما عرفه العرب هو أقدم رائد للمقالة في الآداب العالمية؛ لأنه ظهر قبل ظهور مقالات «مونتاني» إمام هذا الفن غير مدافع بين الأوروبيين، فقد ظهر هذا الفن لأول مرة في فرنسا سنة ١٥٧١، ثم ظهر بعد ذلك ببضع عشرة سنة في كتابات فرنسيس باكون الحكيم الإنجليزي المشهور، ثم أصبحت المقالة منذ ذلك الحين فنًّا إنجليزيًّا شائعًا بين قراء الإنجليزية مع سبق الفرنسيين إليه. وقد سمَّى مونتاني مقالاته بالمحاولات Essay، كأنه يعتذر من ترسُّله فيها بغير تقيد بموضوع واحد أو تعمق في التفكير، وكانت المحاولة في اصطلاح الفنانين هي معالجة صنع التمثال من مادة رخوة كالشمع، وما إليه قبل صبه في قوالب النُّحاس أو نحته