صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/40

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

وأمنيتي ...!

«… فهمنا من مقالكم «أمنيتي» ما هي العلاقة بين الفروسية وقرض الشعر، أو بين أن تتمنى قيادة الجيوش، وأن تتمنى النبوغ في الأدب، ولكن تسمحون لي أن أقول: إن العلاقة بين التدين والأدب لا تزال غير جلية، فهل تتفضلون بتوضيحها …

… ولا أدري هل تمنيتم الأدب ولم تتمنوا شيئًا آخر من الدنيا؟ ألم تتمنوا السعادة مثلًا؟ ألم تتمنوا لذة من لذات الحياة؟ أليس الحب أمنية للشاعر وإخوانه من رجال الفنون الجميلة؟ فما قولكم في هذا؟ هل يغني الأدب وحده عن كل هذه الأماني المحبوبة؟!»

***

هذه نبذة من خطاب مطول في التعقيب على مقالنا السابق عن أمنيتي في الحياة، نعود بها أو تعود بنا إلى هذا الموضوع الذي لا يزال أبدًا في حاجة إلى تكملة كاحتياج المرء إلى التمني، واستكناه ما يتمناه، وإطالة القول في هذا وذاك.

ويلوح لي أن الأديب المستفهم يبحث عن علاقة بين الأدب والتدين، كالعلاقة بين الأدب ونظم الشعر في ميدان القتال للتحدي والتهويل على الأنداد.

فالشعر قريب من الفروسية؛ لأن الفرسان كانوا ينظمون الشعر بين الصفوف، فهم فرسان شعراء، والقرابة بين الطائفتين واضحة على هذا المنوال.

ولكن ما هي العلاقة بين الإيمان الديني والنزعة الأدبية؟ هنا يقول الأديب المستفهم: إن العلاقة يحيط بها شيء من الغموض.

والواقع أن العلاقة هنا أوضح وأقرب إذا بحثنا عن المناسبات السطحية التي من قبيل نظم الشعر بين صفوف القتال للتحدي والتهويل؛ فإن كثيرًا من الشعراء ينظمون في الأغراض الدينية، وفي الغزل الإلهي، وفي شطحات الصوفية وأهل الطريق، فإن كان هذا هو المقصد من العلاقة بين الإيمان الديني والنزعة الأدبية، فما أوضح الموضوع وما أبعده من الغموض! إن الشعراء الصوفيين لا يقلون عن الشعراء الحماسيين، وقصائدهم رائجة بين الناس كرواج قصائد الفرسان؛ لأن حلقات الأذكار