ومحمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول وسائر العظماء من الكتاب والمصلحين والقادة في عصورنا الغابرة والحاضرة، وإذا خيفت قلة الإقبال على مفكرة مقصورة على أديب واحد فلتطبع منها طبعات متفرقة لأدباء متعددين، فيجتمع من المفكرة كلها ديوان منتخب لأدباء العربية، ويقتني القارئ الواحد أكثر من مفكرة واحدة إذا حسن الاختيار والتنويع.
ومهما يكن من الإعراض عن القراءة، فلا إخال أن الكتيب الصغير الذي يباع بدريهمات، ويحتوي ثلاثمائة وستين معنى للمتنبي أو المعري يعدم مئات القراء إذا استكثرنا عليه الألوف، وقد يقبل عليه من لا ينشط لقراءة الدواوين والكتب، ولكنه يتسلى بالبيت بعد البيت والمعنى بعد المعنى كلما قلب صفحة لإثبات موعد أو تقييد حساب.
ونعود إلى تاجور الذي بدأناه بالتحية، وذكرنا من أجله هذه المفكرات السنوية.
فنحمد الله أنه بات بمنجاة من الخطر، وأن النبأ الذي انتظرناه مبشرًا بسلامته قد سرى بين أرجاء العالم في هذا العهد الذي ندرت فيه أنباء السلامة، فكان له جمال الندرة الموموقة، وغبطة الترفيه المنشود في أوانه. ونفتح السنوية التاجورية على شهر أكتوبر، فنقرأ له تحية الخريف التي يقول فيها: «المساء يومئ، وبودي أن أتبع السفر١ الذين أقلعوا في الزورق الأخير لعبور الظلام: منهم من هو راجع إلى مقره، ومنهم من يذهب إلى الشاطئ البعيد، وكلهم قد اجترأ على الرحيل، وأنا على المورد وحدي قد تركت مقري، وأخطأت الزورق وذهب مني الصيف وليس لي في الشتاء حصاد، وهأنذا أنتظر الحب الذي يجمع العثرات والخيبات؛ ليبذرها دموعًا في الظلام، عسى أن تنبت الثمر حين يطلع النهار الجديد.»
ثم نقرأ له في الصفحة التالية: «تقبلني يا رب … تقبلني في هذه السويعة،