صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/27

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–١٩–

وكان في زاوية من زوايا فرنسا رجل يدعى لويس باستور يكشف جراثيم الأوبئة وأسرار التعقيم، ويعرض نفسه كل لحظة لهلاك لم يتعرض له بسمارك في العمر الطويل.

فما رأي الأستاذ أحمد الصاوي في رجل غاضب مثله متحمس مثله ناصح لبني الإنسان مثله يدخل على الشيخ باستور، فيقول: قم أيها الشيخ الفارغ ولم قواريرك وأنابيبك؟! الوقت وقت نار وحديد، وليس بوقت ماء وزجاج؟!

وأين مع ذلك حرب السبعين كلها بما انطلق فيها من المدافع، وانصهر فيها من الحديد إلى جانب تلك الأنبوبة التي لم يسمع بها ساكن الحجرة المجاورة في بيت باستور؟

لكنها الضجة التي تروع الإنسان، ويح الإنسان، ثم ويح الإنسان!

ولو سألنا له جزاءه الحق لسألنا له طوفانًا من الطغيان يغرقه إلى آخر الزمان، ويشبعه ما استطاع الشبع من الحدائد والنيران.

ولكنه مخلوق غافل تشفع له نية مصلح أو نفحة فنان.

وقد نعلم رأي الصاويين جميعًا فيما يقولون الآن، إذا نسيت الحرب القائمة، وبقيت صرخة من صرخات النفس الإنسانية، لعلها تنظم اليوم في قصيد، أو تثبت في لوحة فنان أَسْوانٍ.