صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/26

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–١٨–

كلا!

ليست قلة الهندسة هي العلة؛ فالهندسة هنا كثير، وإنما العلة «فرصة الوقت» إذا اتسعت أو ضاقت للمخترعين، ولن تكون الهندسة هي الباعث على اغتنام الفرصة المنشودة، وإنما هي البواعث النفسية التي أسلفنا الإشارة إليها، وهي في الحرب والسلم أمضى سلاح.

وهل يعلم الأستاذ الصاوي كم من الملايين الثلاثة، أو الملايين الأربعة الذين زحفوا على فرنسا من الشباب الألمان يدرسون العلم، ويقرءون الهندسة؟ وكم منهم يقرءون القصص والروايات؟

كلهم قراء روايات وقصص كما ظهر من إحصاء الكتب التي كانت ترسل إليهم في الميادين، فإذا طلبوا من الروايات والقصص كتبًا أخرى، فذلك هو كتاب هتلر الذي يفرضونه هناك على جميع الشبان، وليس هو بهندسة ولا بعلم واختراع، ولكنه شيء أقرب إلى الأحاجي والأساطير!

***

فالهندسة ليست مصدر القوة الألمانية.

والأدب لم يكن مصدر ضعفهم يوم انهزموا في الحرب الماضية … لا شأن للهندسة هنا أو هناك، بل الشأن كل الشأن للبواعث النفسية، ثم تكون هندسة القوم أو يكون أدب القوم على حسب تلك البواعث من الحركة أو السكون، ومن الخير أو الشر ومن الصلاح أو الفساد.

ويح الإنسان … كم تروعه الضجة وكم تخلبه قعقعة السلاح!

ماذا لو طبقنا رأي الأستاذ الصاوي على العلم نفسه، ولا نقول على الفن والأدب والقصة والرواية؟

يوم أن هزمت فرنسا في حرب السبعين كان اسم بسمارك ومولتكه يدوي في كل زاوية من زوايا الأرض، ويجري على كل لسان في المغرب والمشرق.