ولا فرق بين الوضعين إلا كالفرق بين قولك: إن طنطا واقعة بين القاهرة والإسكندرية، وقولك: إنها واقعة بين الإسكندرية والقاهرة، أو كالفرق بين قولك: إن زيدًا يجلس بين بكر وخالد، وقولك: إنه يجلس بين خالد وبكر.
فهل الفرق بين قول الشاعر: «ويأتيك بالأخبار من لم تزود.»
وقولنا: «ويأتيك من لم تزود بالأخبار.» هو فرق من هذا القبيل؟
إن كان الفرق من هذا القبيل فالتبديل ممكن، وإن لم يكن كذلك فهو مستحيل أو كالمستحيل.
والمفهوم الذي لا يغيب عن سيد الفصحاء هو أن المعنيين مختلفان.
فالمفهوم من قول الشاعر أن الأخبار هي المقصودة، وأن الشاعر يورد قوله على سبيل الاستغراب، أو التحدث بالغريب الذي لا ينتظر في الأغلب الأعم أن يكون: تسمع الخبر الذي تنتظره من مسافر لم تودعه، ولم تحفل بسفره ولم تنتظر إيابه، وهذه هي الغرابة! وهذا موقع التنويه والاستشهاد.
أما قولنا: «ويأتيك من لم تزود بالأخبار.» فهو شيء آخر في معناه، أو هو شيء لا يستشهد به في الموقع الذي عناه الشاعر.
فنحن لا نزود التاجر المسافر بزاد، ولكنه يعود إلينا من السفر بالبضائع والتحف ولا نستغرب ذلك، إذ لا وجه للغرابة في أن يسافر المسافر ولا تزوده، ثم يعود إليك بشيء من الأشياء، أما إن عنيت غرابة الأمر، وعنيت الأخبار خاصة فلا بد من التقديم، ومن إظهار ما يفيد هذه الغرابة.
وهذا فضلًا عن التباس آخر في قولنا: «ويأتيك من لم تزود بالأخبار.»
إذ يحتمل أن يفهم السامع أن المقصود: «من لم تزوده أنت بالأخبار.» ثم ينتظر تتمة الكلام.
ولا وجه لهذا الالتباس إذا لم يتبدل موضع الكلام.