صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/249

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ٢٤١ –

وليس هذا بالبداهة هو التبديل المقصود حين نقول بإمكان التبديل أو استعصائه، وإنما المقصود هو التبديل مع بقاء المعنى وبقاء المزية الكلامية، أو المزية البلاغية التي من أجلها كان الشعر أو النثر مستحقًّا لروايته والاستشهاد به.

وكثير من المعنى ومن المزية البلاغية يتوقف على تقديم كلمة إلى موضع أخرى، حتى في العبارة التي لا تتجاوز كلمتين أو ثلاث كلمات.

«فالعالم زيد» غير «زيد العالم»، وما اختلف منهما إلا تبديل موضع الكلمتين.

لأن «العالم زيد» قد تفيد أنك تخص زيدًا بالعلم وتنفيه عن غيره، وليس هذا مستفادًا من «زيد العالم» على هذا الوجه.

وقد شرح علماء البلاغة دلالة التقديم والتأخير، وعرض لها الإمام الجرجاني فقال مما قال في دلائل الإعجاز: «… إنه قد يكون من أغراض الناس في فعل ما أن يقع بإنسان بعينه ولا يبالون من أوقعه، كمثل ما يعلم من حالهم في حال الخارجي يخرج فيعيث ويفسد ويكثر به الأذى، إنهم يريدون قتله ولا يبالون من كان القتل منه، ولا يعنيهم منه شيء، فإذا قتل وأراد مريد الإخبار بذلك فإنه يقدم ذكر الخارجي فيقول: قتل الخارجيَّ زيدٌ، ولا يقول: قتل زيد الخارجي؛ لأنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا أن القاتل له زيد جدوى وفائدة فيعنيهم ذكره ويهمهم، ويتصل بمسرتهم ويعلم من حالهم أن الذي هم متوقعون له ومتطلعون إليه متى يكون وقوع القتل بالخارجي المفسد، وإنهم قد كفوا شره وتخلصوا منه …» إلى آخر ما قال.

على أن الحكمة في التقديم والتأخير معنى من معاني العقل والمنطق، وليست بقاعدة من قواعد اللغة وحسب.

ولهذا ينص عليها في جميع اللغات، ولا يقتصر التنبيه إليها على لسان دون لسان. فالإنجليز مثلًا ينبهون إلى الفرق بين معاني العبارات إذا تغير موضع كلمة واحدة فيها، ويمثلون لذلك بأمثلة كثيرة منها هذه الأمثلة الأربعة:

١ – أنا «فقط» أتحدث بهذه القصة إلى فلان.