صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/248

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

ما يمكن تبديله

عقب أحد الأدباء على ما كتبناه في «عبقرية محمد» عن رواية النبي — عليه السلام — للشعر وقال: «… في ص١٤٤» يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بشطرات من أبيات يبدل وزنها كلما أمكن تبديله، فكان يقول مثلًا: «ويأتيك بالأخبار من لم تزود.» لأنها لا تقبل التبديل، ولكنه إذا نطق بقول سحيم بني الحسحاس: «كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا.» قدم كلمة الإسلام، فقال: «كفى الإسلام والشيب للمرء ناهيا.»

ثم يعقب الأديب فيقول: «وتقسيم ما يتمثل به الرسول — عليه الصلاة والسلام — إلى ما يمكن تبديله لم يورد المؤلف ما يؤيده ويقتضيه، والمثال الذي ذكره لما لا يمكن تبديله غير صحيح، فإن تبديله ممكن، وقد روي أن الرسول — عليه الصلاة والسلام — تمثل به هكذا: «ويأتيك من لم تزود بالأخبار».» (راجع السيرة الحلبية في باب الهجرة إلى المدينة).

***

والذي نعقب به على تعقيب الأديب هو الكلام فيما يمكن تبديله من الشعر والنثر، وكل ما له معنى من القول.

فإذا كان المقصود بالتبديل هو نقل كلمة في موضع كلمة بغير نظر إلى المعنى والسياق، فالتبديل ممكن في كل مكان بلا استثناء؛ إذ ليس للكلام قوة مادية تمنعك أن تقدم فيه وتؤخر كما تشاء، وفي وسع كل قارئ أن يعمد إلى كتاب من الكتب فيقرأه عكسًا وطردًا، ومن أسفله إلى أعلاه، ويضع الأول في موضع الوسط والوسط في موضع الأول، ثم يعود فيصنع به مثل ذلك إلى غير انتهاء، فلا يستعصي عليه عصي ولا يحول دونه حائل.