صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/19

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–١١–

وشيء آخر أخالف به الدكتور، أو تخالف فيه طريقتي طريقته في صداقة أبي العلاء.

فأنا لا أذكر أنني كرهت أحدًا أحبه أبو العلاء، أو أحببت أحدًا كان هو من كارهيه.

أما الدكتور فيعلم ما كان في نفس صاحبه من الحب والإكبار لأبي الطيب، ثم يقول: «أنا أقدر فن المتنبي وأعجب ببعض آثاره إعجابًا لا حد له، وأعجب ببعضها الآخر إعجابًا متواضعًا إن صح أن يتواضع الإعجاب، وأمقت سائرها مقتًا شديدًا، ولا تثير حياة المتنبي في نفسي إشفاقًا عليه ولا رثاءً له، وإنما هو مغامر طلب ما لم يخلق له، وتعرض لما كان يحسن أن يعرض عنه، فانتهى إلى ما ينتهي إليه أمثاله المغامرون.»

ترى ماذا كان المعري قائلًا للدكتور لو سمع منه هذا المقال؟ أخشى أن تكون وقيعة بين الصاحبين … وإن كنت لا أخشى أن يعود الشيخ إلى استحسان قصيدة أبي الحسين التي مطلعها:

لك يا منازل في القلوب منازل
أقفرتِ أنتِ وهنَّ منك أواهلُ

لأن الشيخ يعلم أن الدكتور لا يكره أبا الحسين كراهة الناقص للكامل، ويستشفع له بشفيع من طيب النية وصدق الولاء.

والحق أنني أعجب لهذا النفور بين الدكتور وشاعرنا العربي الكبير، وما أنا ممن يستحسنون كل شعره ولا كل عمله، ولكني أزن ما زاده في ثروة الآداب العربية، وما زاده في شرور الحياة بسوء عمله وسوء خلقه، فأعلم أن الحياة لم تفسد بفساد المتنبي، وأن الأدب قد صلح بصلاح شعره، وأن لأصغر الهلافيت من خلق الله لسيئات أكبر من سيئات المتنبي بكثير، واحتملتهم الدنيا مع ذاك … أفتحتمل الدنيا هذا من أصغر الهلافيت، ولا تحتمله من الرجل الذي لو قبلنا حسناته بألف ضعف من سيئاته لكنا نحن الرابحين؟