صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/18

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–١٠–

النفس التي نلمس بها أفراح الحياة العليا ومحاسنها الكبرى، فالفرح أعمق من الحزن في رأيي ولا مراء! وليس الحزن قدرة بل هو انهزام أمام قدرة … أما الفرح فهو القدرة والانتصار.

والدكتور طه لفرط حبه أبا العلاء يتهم نفسه بمحاباته، فيقول: «قل إني أوثر أبا العلاء وأحابيه وأرضى منه أشياء لا أرضاها من غيره، فقد لا تخطئ ولا تبعد، وأظنني نبهتك إلى ذلك في أول الحديث، وقلت غير مرة: إني لا أملي كتابًا في البحث العلمي ولا في النقد الأدبي، وإنما أسجل خواطر أثارتها في نفسي عشرة أبي العلاء في سجنه وقتًا ما».

فمن المصادفات العجيبة أنني حابيت أبا العلاء على نحو قريب من هذا النحو، ولكني لم أسمها محاباة، بل قلت: إنها هي الإنصاف المعقول في قياس الأقوال بالقائلين، وعبت من نصحونا بأن ننظر إلى ما قيل لا إلى من قال، فكتبت قبل ثلاثين سنة في مذكراتي التي جمعتها باسم «خلاصة اليومية» أنها قاعدة لا يصح إطلاقها على كل حال، فالكلمة تختلف معانيها باختلاف قائليها، وكلمة مثل قول المعري:

تعب كلها الحياة فما أعـ
ـجب إلا من راغب في ازديادِ

يؤخذ منها ما لا يؤخذ مما تسمعه في كل حين بين عامة الناس من شكوى الحياة، وتمني الخلاص منها؛ لأننا نثق بأن المعري مارس الأمور الجوهرية في الحياة ودرس الشئون التي تكون منها عذبة أو مرة، نكدًا أو رغدًا، ولم يسبر منها أولئك العامة إلا ما يقع لهم من الأمور التي لا تكفي للحكم على ماهية الحياة.

فكلانا إذن يسمع القول من شيخ المعرة فيعجبه، ويسمع القول في نفسه من غير الشيخ فلا يحظى عنده بذلك الإعجاب، لكن صديقنا الدكتور يسميها محاباة ومجاملة لصديق، وأنا أجري فيها على سنتي الغالبة في كل شيء من التوفيق بين الحجة والعاطفة، فلا أبرح بالعاطفة حتى أقنع بها عقلي، وأثبت له أنها جديرة بإقراره وترخيصه، فيعيش العقل والعاطفة معًا في وئام، وأخلص بهذا مما يقع بينهما من ملام وصدام.