صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/148

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

ذبح الفقراء لا يحل مشكلة الفقر

كتب أحد الأدباء يروى عنى أنني قلت له .... يكفي أن يتمتع الإنسان بحريته ليعيش سعيدة حتى لو كان فقيرة ، وأن أي نظام أو أية محاولة ترمي إلى إزالة الفوارق الاقتصادية بين الطبقات إنما هي ترمي في أساسها إلى تقييد حرية الفرد ...) ثم سأل الأديب : « ولكن هل يملك الفقير حريته كما يقول الأستاذ العقاد ؟ هل أستطيع أنا مثلا أن أسافر إلى الإسكندرية والتي بجسدي المتعب على شاطىء البحر كما يفعل صديقي عادل صدقي نجل دولة صدقي باشا !... لا نستطيع ، لأن حريتنا محدودة بجيوبنا . فالمفلس لا يملك حرية الخروج من منزله والجلوس على القهوة ، والذي في جيبه نصف قرش لا يملك حرية إشباع » الح. الخ . بطنه ... »

لا وفي نقل كلامي على هذه الصورة شيء من التحريف . لأنني لا أقول إن الحرية وحدها تكفي الإنسان وتغنيه عن الطعام ، ولكني أقول إن المذهب السياسي أو الاجتماعي الذي يسلبنا الحرية ، يسلبنا أعني نعمة في الحياة الإنسانية ، بل يسلبنا كرامة الإنسان و يستحق منا المقت والازدراء . وأنا لا أقول إن إزالة الفوارق الاقتصادية بين الطبقات ترمي إلى تقييد حرية الفرد ، ولكني أقول إن تقييد الحرية الفردية لإزالة هذه الفوارق نقمة لا يرحب ها رجل كريم . وأنا أدافع عن الديموقراطية لأنها تؤمن بحرية الفرد وتصلح الناس إصلاح الأحرار المكلفين لا إصلاح العبيد المسخرين . ولكني أمقت المذاهب السياسية الأخرى لأنها تسلب الحرية الفردية ولا تحل المشكلة الاقتصادية ، فتحرمنا الكرامة ولا تكفل لنا الطعام ، وهذا هو الحرمان الذي لاغناء فيه ولا موجب لاحتماله ، والصبر عليه إلى زمن طويل . فالنازيون والفاشيون والشيوعيون يستغفلون الناس حين يقولون لهم إنا سلبناكم الحرية ولكننا أرحناكم من البطالة وديرنا لكم الرزق بتدبير الأعمال ، لأنهم في الواقع