صفحة:يسألونك (1946) - العقاد.pdf/13

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٥–

فمقاييس الدولة هي مقاييس القيم الشائعة التي تتكرر وتطرد، وتجري على وتيرة واحدة.

ومقاييس الأدب هي مقاييس القيم الخاصة التي تختلف، وتتجدد وتسبق الأيام.

مقاييس الدولة هي عنوان الحاضر المصطلح عليه.

ومقاييس الأدب هي عنوان الحرية التي لا تتقيد باصطلاح مرسوم، وقد تنزع إلى اصطلاح جديد ينزل مع الزمن في منزلة الاصطلاح القديم.

مقاييس الدولة هي مقاييس العُرف المطروق، ومقاييس الأدب هي مقاييس الابتكار المخلوق.

مقاييس الدولة هي مقاييس الأشياء التي تنشئها الدولة، أو تدبرها الدولة أو ترفعها الدولة تارة وتنزل بها تارة أخرى.

ومقاييس الأدب هي مقاييس الأشياء التي لا سلطان عليها للدول مجتمعات ولا متفرقات، فلو اتفقت دول الأرض جميعًا لما استطاعت أن ترتفع بالأديب فوق مقامه أو تهبط به دون مقامه، ولا استطاعت أن تغير القيمة في سطر واحد مما يكتب، ولا في خاطرة واحدة من الخواطر التي توحي إليه تلك الكتابة.

ومن هنا كان ذلك العداء الخفي بين معظم رجال الدولة ومعظم رجال الأدب في الزمن الحديث على التخصيص.

لأن رجال الدولة يحبون أن يشعروا بسلطانهم على الناس، ويريدون أن يقبضوا بأيديهم على كل زمام، فإذا بالأدب وله حكم غير حكمهم، ومقياس غير مقياسهم، وميدان غير ميدانهم، وإذا بالعصر الحديث يفتح للأدباء بابًا غير أبوابهم، وقبْلة غير قبلتهم التي توجه إليها الأدباء فيما غبر من العصور.

ولو بلغنا إلى اليوم الذي تعترف فيه الدولة بالأدباء لما اعترفت بأفضلهم، ولا بأقدرهم ولا بأصحاب المزية منهم، ولكنها تعترف بمن يخضعون لها ويرضون كبرياءها، ويهبطون أو يصعدون بغضبها أو رضاها.