صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/90

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.


موقف معاوية من قضية عثمان


كل خير من أخبار العصر لازم مطلوب لفهم تاريخه وأعمال رجاله، ولكن الأخبار المقدمة على غيرها في حوادث العالم الإسلامي التي أفضت إلى قيام الخلافة الأموية، إنما هي الأخبار التي لها مساس بموقف معاوية من عثمان قبل مقتله وبعد مقتله، والمبايعة العلي بالخلافة في الحجاز. فبغير هذه الأخبار التي تكشف عن موقف معاوية لا يستطيع المؤرخ أن يتثبت من حقيقة البواعث التي كمنت وراء الحوادث والحروب والخصومات، ولا يستطيع أن يعرف ما هو صحيح منها، وما هو مصطنع من تدبير السواس والدعاة. حقيقة المسائل التي أثارت معاوية على علي، وجنحت به إلى سلوك المسلك الذي اختاره هو ومعاونوه؟ ماذا منها قد حدث فعلا، وماذا منها لم يحدث، وقيل: إنه حدث للانتفاع به في الدعاء الادعاء وفي الاتهام ورد الاتهام؟ أو ماذا منها قد حدث فعلا وحرفه الدعاة إلى غير وجهته وأولوه بغير معناه؟ وماذا من تلك الحوادث جميعا كان خليقا أن يتغير لو تغير الموقف، وتغيرت النيات والمساعي؟ كل أولئك مرهون بالنفاذ إلى حقيقة موقف معاوية من عثمان قبل مقتله، وبعد مقتله، ومبايعة علي بالحجاز. وكل ما وصل إلينا من أخبار ذلك الموقف يدل على شيء واحد لا محل فيه للخلاف الطويل بين الناظرين إليه من الوجهة التاريخية الخالصة، وهو عمل معاوية لنفسه في كل مطلب طلبه من عثمان، وكل نصيحة أسداها إليه، وكل مشورة أشار بها عليه، فليس في هذه المطالب والنصائح أو المشورات شيء قط تجرد من منفعة ينظر إليها معاوية في حاضر أو مصيره، وكل ما عدا ذلك فقد يكثر فيه الخلاف، ويؤول فيه التأويل.