صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/9

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
معاوية بن أبي سفيان

وقد هان عرض إنسان واحد يشتريه المال أو الغرض في حياته، فماذا يقال في عرض الإنسانية الذي يشترى في الحياة وبعد الممات، ويزيف فيه الواقع للعيان، ثم يلازمه الزيف بعد ذلك مدى الأجيال على صفحات التاريخ!

ذلك أفدح مصاب تصاب به الإنسانية: إنه مصاب في عرضها، في صميم أفكارها وأخلاقها وعقائدها وأذواقها وأحلامها — في موازينها وحسب، وما من شيء يعتز به الإنسان لا يدخل في هذه الموازين.

وأوجب واجب على الإنسان لضميره أن يحمي نفسه من شر هذا المصاب الفادح، وألا يتيح لأحد أن يختلس التاريخ في حاضره ومستقبله؛ فليس البلاء هنا بلاء منفعة تفوت أو مضرة تحدث، ولكنه بلاء الزيغ1 في البصر والبصيرة، وعلينا نحن أن نصحح البصر إذا زاغ؛ لأنه نقص وعيب أو لأنه تشويه في سواء الخلقة، وإن لم يعجل منه الضرر، ولم تذهب به المنفعة …

إن تاريخ الإنسانية من أوائلها إلى حواضرها لا يملك للعاملين جزاء غير حسن التقدير، وصدق القياس لما عملوه.

وكثير على أحد أن يبتذل هذا الجزاء؛ لأنه استطاع أن يحشو بعض البطون أو بعض الجيوب، فيملك — بهذه الرشوة الرخيصة — خير ما تؤتيه الإنسانية أحدًا من أبنائها في الحياة وبعد الممات.

على أن الموازين الإنسانية لا تزيفها الرشوة المقصودة دون غيرها، ولا يختل بها غرض المنتفعين المتواطئين على تبديل الحقيقة، ذهابًا مع الأجر العاجل والعطاء المعروف.

بل تصاب هذه الموازين من النهازين أو «الوصوليين» المطبوعين، كما تصاب من النهازين المصنوعين أو المصطنعين.

فمن الناس من يحب أن تتغلب المنفعة على الفضيلة أو على الحقيقة، وإن لم يكن هو صاحب المنفعة، ولا حاضرًا لها عند انتفاع المنتفع بها.

من الناس من يحب ذلك؛ لأنه يرجع إلى طبيعته، فيشعر بحقارتها إذا غلبت مقاييس الفضائل المنزهة، والحقائق الصريحة.


  1. الزيغ :زاغ البصر :كلَّ، وزاغ الرجل: مال عن الاستقامة.
٨