الحلم .. ونحن في قرانا نشهد المثال على كل من النموذجين في كل قرية وكل إقليم، فبينا يستميت «بيت العمدة» في أستبقاء وجاهته، ويلين من أجل ذلك للحاكم وصاحب الأمر وأعوانه على المكانة الموروثة، ينهض رجل آخر مطبوع على الألفة والصولة، فيستطيل على تلك المكانة، وينازع في تلك الوجاهة، ولا يستريح إلا إذا أمر وتحدي وملك زمام العزة بالمقال والفعال وبنو أمية عامة، ومعاوية خاصة من أصحاب «المظهر الاجتماعي»، وليس فيهم غير القليل النادر من أصحاب الطموح إلى الزعامة والصولة، كما تكون في بنية المزاج وتركيب الخلق والجسد، وقد صبر معاوية على ألوان من الخضوع في طلب وجاهته السياسية لا يصبر عليها كثير من عامة الناس؛ لأنه يطلب تلك الوجاهة بتقليد وراثي، ولا يطلبها بنزعة غلابة في الطبيعة والتكوين. واحتاج أن يقول مرة كما جاء في الطبري مسندا إلى سعيد بن سويد: «ما قاتلتكم التصوموا، ولا لتصلوا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، قد عرفت أنكم تفعلون ذلك، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم.» وهي قولة لم يقلها أحد غيره من المطبوعين على الصولة والزعامة؛ لأنهم لا يحتاجون إليها، ولكنه قالها لأنها جثمت على صدره لطول ما صبر على مجابهة هذا ومصانعة ذاك، وتذكير المذكرين إياه أنه لم يملكهم عنوة ولا فتكا، بل ملكهم المشارطة والاتفاق ... فنفس عن صدره بتلك الكلمة، ولم يحدث من غيره أنه شعر بالحاجة إلى تنفيس كذلك التنفيس. YV لقد كان في الرجل مشابهة للجمل الصبور، ولم تكن فيه مشابهة للأسد الهصور كان يصفح لأنه لا يغضب، وكان يحمل على كاهله، وفي طوايا نفسه ما ينوء ۲۷ غيره بحمله، وكان يصبر الصبر الطويل على بلوغ الجاه حيث لا يطاق هذا الصبر مع نزوع الطبيعة السوارة إلى الزعامة والصولة.
۲۹ الأسد الهصور: الأسد الذي يكسر عظام فريسته. ينوء: ناء الرجل بحمله نهض مثقلا به، بجهد ومشقة، وتقول: ناء به الحمل، أي: أثقله.
۲۸ السوارة: الوثابة.