صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/71

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
معاوية بن أبي سفيان

معاوية بن أبي سفيان ويمر بنا مثل من الأمثلة الصالحة التقويم الروايات، ورواتها بصدد الأخبار التي نقلها صاحب العقد الفريد عن الحلم والحلماء، ومنهم الأحنف ومعاوية . فابن عبد ربه ينقل لنا أن الأحنف سئل: من أحلم ... أنت أم معاوية؟ فقال: تالله ما رأيت أجهل منكم، إن معاوية يقدر فيحلم وأنا أحلم ولا أقدر، فكيف أقاس عليه أو أدائيه؟ فإذا سمع السامع المتعجل هذا فحري أن يتقرر لديه رجحان معاوية في الحلم بشهادة الرجل الذي يضرب به المثل في حلمه، وأي شهادة عسى أن تكون أصدق من هذه الشهادة؟! إلا معاودة لحظة في السؤال والجواب حتى يتقرر على خلاف ما تقدم ا السؤال كان لا يحتمل جوابا غير ذلك الجواب، لو أنه سؤال ما كان ينبغي أن يتوجه للأحنف، ويترقب سائله أن يقول له: بل أنا أحلم من معاوية! ... وقد كان الأحنف خاصة يرى من عرف الحلم أن يستصغره، وأن يقول عن نفسه كما نقل صاحب العقد قبل ذلك بسطر واحد: لست حليما ولكنني أتحالم. وما هي فما به هه ولو أن الأحنف قال برأيه ذاك اعتقادا ولم يقل به تواضعا أو تحاليا؛ لكان على خطأ لا يخفي عند النظرة اليسيرة في أسباب تفضيله معاوية على نفسه . هي القدرة التي كانت مطلوبة من الأحنف في مقامه؟ لقد كان يكفيه أن يقدر على كلمة لا يعجز عنها أحد، وكان يكفيه أن يمسك تلك الكلمة فيكون أقوى الناس على نفسه كما وصفه خالد بن صفوان، وأما الملوك فالمطلوب منهم أعمال لا يقدرون عليها في كل وقت ولا أحد، إلا أن يكون المقصود بالقدرة طياشة جامحة تخبط ما تشاء بغير مبالاة، وليس قصارى الحليم أنه غير الطياش وغير الخابط الذي لا ينظر إلى عقباه. ويوزن الراوي في روايته هذه، فلا نجهل موقع الهوى فيما يشاع عن حلم معاوية، ويسر انتقال الإشاعة من قائل إلى قائل ومن ناقل إلى ناقل، فما في هوى الأندلسيين البني أمية من خفاء ودولتهم الأولى أموية في أساسها، وابن عبد ربه نفسه حفيد السالم القرطبي مولى هشام بن عبد الرحمن الداخل بن معاوية بن هشام بن عبد مروان، وأقل ما يقال في نقل ابن عبد ربه لكلمة الأحنف أنها تزكية لرأس الدولة الأموية رحب بها ووافقت هواه.

70