الحلم ففي وزن الرجال وتمحيص الأخلاق وفهم الطبيعة الإنسانية - أي: فهم الإنسان - لا جدوى من التعويل على ألفاظ الصفات، ولا بد من الرجوع إلى الوقائع وما لها من الأثر الطبيعي في الضمير، وما ينم عليه هذا الأثر من خليقة نفسية أو ملكة عقلية. وهذه الوقائع التي رويت عن معاوية تبدي لنا منه صفة لا شك فيها، وهي طول الأناة وبطء الغضب، وليست هي بالصفة التي ترادف الحلم كما يفهم لأول وهلة، إذ كثيرا ما يكون بطء الغضب شيئا «سلبيا» يدل على امتناع الغضب طبعا أو قلة الاستعداد له في الخلقة، ولا تكون الفضيلة أبدا «شيئا سلبيا، قوامه غياب أثر من الآثار النفسية وكفى فليس معنى الشجاعة – مثلا – تجرد الطبع من الشعور بالخوف؛ لأن الإنسان الذي يقدم على الخطر وهو لا يشعر به، يندفع اندفاع الجماد ولا فضل له في اندفاع لا يكلفه الغلبة على خوف يساوره في ضميره. وليس معنى الكرم تجرد الطبع من الشعور بقيمة المال أو قيمة المنحة المبذولة، لأن من يتصرف في شيء لا قيمة له عنده، كمن يتصرف في التراب والهواء، وما إليهما من مبذول العطاء وليس معنى العفة تجرد الطبع من الشعور بالشهوات؛ لأن من لا يشتهي لا يطلب ولا يقاوم الإغراء، ولا تحسب له عقة. وليس معنى الحلم تجرد الطبع من الشعور بالغضب؛ لأن التجرد من هذا الشعور قد يأتي من بلادة في الطبع وركود في حركة النفس، ومقابلة العوامل الطبيعية بما يناسبها من الانفعال. وإنما الحلم أن يغضب الإنسان وأن يحكم غضبه بإرادته؛ إيثارا لأمر يفوق الغضب في قيم الأخلاق . فمن الحلم أن يأنف الإنسان من الاستسلام للغضب؛ لأنه يرتفع بكرامته أن تصيبها إساءة المسيء. ومن الحلم أن يصفح الإنسان عن الإساءة: إيثارا للخير وعطفا على المسيء كما يعطف الأب الرحيم على الولد الجاهل بما يصنع في حق أبيه ومن الحلم أن يقمع الإنسان غضبه؛ لأنه يملك زمام نفسه، ويوازن بين العواقب فيختار أسلمها للناس عامة، وإن يكن أسلمها له في ذات شأنه وشئون ذويه .
صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/68
المظهر