أبن عم هو ولا بعد مماته، وإنما المنافسة بينه وبين أعمامه وبني عمومته؛ إنما المنافسة بين اثنين أحدهما للنبي أبو طالب، والآخر أبن عم للنبي هوا العباس وأي فائدة كبرى كان يفيدها معاوية لو سمع من ابن عباس كلمة تفتح الباب للتفرقة بينه وبين سائر الهاشميين العلويين؟ أي فائدة كان يفيدها لو رأي من دهاء ابن عباس يمهد لنفسه عند السلطان الجديد، ولا يزيد على التشفع لغيره من سائر أهل البيت؟ إن غرابة هذه القصة هي التي ترجحها وتضعف الشك فيها، فإنها إن وقعت لن تقع إلا على غرابتها . إنها غريبة من معاوية إلا أن تكون مقصودة لغير ظاهرها مع رجل له ظاهر وباطن يستطلع بهذه المفاجأة، ولا يستطلع بغيرها، وقد يبدو منه به جلية الموقف بينه وبين سائر بني هاشم، وكل بني هاشم غير عبد الله بن عباس فظاهرهم وباطنهم لا يختلفان إذا سمعوا مثل ذلك النذير هذا أو تكون نفثة من نفثات الكظم تنطلق منه حيث يقدر الأمان مع رجل يخفي باللسان ما لا يضمره الجنان. وأمثال هذه الردود الخشنة جميعا لم تكن في ذلك العصر مما يستكثر في مناسباتها، وقد سمعها معاوية – أو سمعها جلساؤه معه - متوقعة مستثارة، ولم يتعود الناس يومئذ أبهة الملك وطاعة العبيد للسادة، ولم يتعود الأمير كذلك أن يوم الناس سكوتا في موضع القول، وإغضاء في موضع الأنفة، وإنما كان الأمير خليفة يتشبه بالخلفاء الراشدين في حق الطاعة، ولم يعد أحد من هؤلاء الخلفاء أن يخاطب إنسائا بما يسوءه، ثم يستكثر عليه أن يجيبه بمثل خطابه، فهذه «هرقلية» لم يتعودها الرعاة ولا الرعایا، ولم يكن في طاقة معاوية أن يروض رعاياه عليها دفعة واحدة، فإذا تمهل فيها آونة بعد آونة، فإنما يكون التمهيل بمثل ذلك الصبر على كره أو على اختيار. ومن الوقائع التي رويت عنه، وقائع يلتبس فيها الحلم وبطء الغضب وطول الروية والأناة، ومنها ما يتلقى فيه الإساءة أو الوعيد على البعد، ويتسع له الوقت قبل الإجابة عنها بما يروي فيه النظر ويرتضيه. عدا عبيد لمعاوية على أرض أبن الزبير؛ فكتب إليه ابن الزبير: «أما بعد يا معاوية، إن لم تمنع عبيدك من دخول أرضي وإلا كان لي ولك شأن.»
صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/64
المظهر