صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/54

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.


الحلم


اشتهر معاوية بعد الدهاء بالحلم ،وأجمع مؤرخوه من مادحيه على وصفه بهاتني ً تصنيفا في حلمه ،وقال قبيصة بن الصفتني ،وقد أفرد ابن أبي الدنيا وأبو بكر بن عاصم ً ً رجلا أثقل حلمً ا ،ولا أبطأ جهلا ،ولا أبعد أناة منه«. جابر» :صحبت معاوية فما رأيت وردد املؤرخون كلمة قبيصة هذه وزادوا عليها كلمات بمعناه لغريه من عشرائه ورواة أخباره. ولم يفخر معاوية بصفة كما كان يفخر بحلمه … كان يفاخر خاصته بالدهاء بينه وبينهم ،ولكنه لم يفخر قط بالدهاء علانية كما كان يفخر بالحلم والأناة ،ولا غرابة في ذلك من جميع الوجوه ،فما من رجل على نصيب من الدهاء يعلن دهاءه ويفخر به ،وهو يستطيع أن يخفيه ويموهه بالنصيحة والصراحة ،ومن صنع ذلك فهو كالصائد الذي يكشف حبالته للقنيصة ،وهي خليقة ألا تقع فيها إذا انكشفت لعينها. ً حريصا ووجه آخر من وجوه الجهر بالحلم ،وتذكري الناس به عند معاوية أنه كان على التحبب إلى الناس؛ لأنه ينتزع سلطانه ويعلم أن الناس لا ينطوون على الحب ملن ً إعراضا عن الغاصب إلى من ينتزع السلطان ،إن لم يكن نخوة وأنفة فحسدًا وغرية ،أو ً وإقبالا على مستحقه عندهم بغري نزاع. هو أولى بالسلطان في رأي أصحاب هذا الرأي سئل» :أي الناس أحب إليك؟ قال :أشدهم تحبيبًا لي إلى الناس« ،وغني عن القول أن الصفح عن املسيء مع القدرة على البطش به من أقرب الوسائل إلى كسب ولائه ،وكسب ولاء غريه ممن يسمع بالخبر ويحمده ،ولم يكن معاوية ولا شيعته يقصرون في إذاعة كل خبر فيه مأثرة من مآثر العفو والأناة ،والبر بكل مسيء من أولئك الذين كانوا يتطاولون عليه باملساءة في أول عهده بامللك على الخصوص ،ولم يكن عدد هؤلاء املسيئني بالقليل …