صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/33

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
معاوية بن أبي سفيان


.. العزاء - - وفوق العزاء – بشهرة الدهاء أو دعواه إن لم يكن قد بلغ بدهائه مبلغ الشهرة الذائعة الصيت. فالدهاء عندهم كان مزية، وضرورة، وعزاء، وغطاء للخوف والجبن، ودعوى سهلة لمن يدعيها بغير برهان . أما الشجاعة فبرهانها حاضر لا سبيل للمغالطة فيه ولهذا يتزيد الرواة كثيرا في أحاديث الدهاء، ويوشك أن يجعلوه صفة من الصفات السلبية»، التي تقترن بنقص الشجاعة حيث نقصت في مجال الغضب، أو مجال الصولة والقتال، وكاد القارئ يفهم - بداهة - من صوف رجل بالدهاء أنه رجل لا صولة له ولا خوف من غضبه وبأسه، وإنما الخوف مما يحتال به أو يكيد. وكثير من أحاديثهم عن الدهاء يدخل في عداد هذه المعاذير أو هذه الخلال المتشابهات، ولكنهم إذا اتفقوا على دهاء رجل في سيرة حياته بحذافيرها، فالغالب أن يكون على شيء من الدهاء، وإن لم يكن دهاتهم كلهم من نوع واحد عند تحليل الأعمال والصفات، ولم يكن مصدر ذلك الدهاء ملكة واحدة في العقل أو في الطباع. لقد كانوا يطلقون الدهاء على وسيلة «غير صريحة» يبلغ بها صاحبها مأربه، وينتهي بها إلى منفعته ... فكل حيلة «غير صريحة» فهي دهاء على سواء ... إلا أن الواقع أن الوسائل «غير الصريحة» لا تتفق في مصادرها العقلية . فقد يعتمد الرجل في دهائه على قدرة عقلية فائقة يتسلط بها على الناس، فيسخرهم في مطاعمه ويقودهم كما يقاد المسخر «بالتنويم المغناطيسي» لخدمته فيما يستفيدون منه أو فيما لا فائدة لهم فيه على الإطلاق وقد يكون فيه الضرر لهم كل الضرر وهم لا يفقهون، ويغشاهم السحر بغشاوته فلا يستمعون لما يقال لهم غير ما يقوله ذلك الداهية، أو يوحية إلى شعورهم بغير مقال. الطراز الأول. ويليه الدهاء الذي لا يعتمد على قدرة عقلية فائقة، ولكنه يعتمد على قدرة «مادية» يستطيع بها صاحبها قضاء المصالح والتعامل مع غيره على أساس «التبادل» في المنفعة المعروفة، التي يفهمها المتبادلون جميعا بغير حاجة إلى تغرير أو خداع أو إقناع. رجل يملك السلطان أو المال، وأناس يحتاجون إلى سلطانه وماله، ولا يقدرون على بلوغ تلك الحاجة من غيره ... فلا هو يخدعهم ولا هم يخدعونه؛ لأنهم كلهم يعرفون وهو هذا هو الدهاء من

بحذافيرها: جمع حذفور وهو الجانب، وأخذه بحذافيره أي: بأسره.

32