صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/29

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
معاوية بن أبي سفيان

ولم ييأس العواهل الضعفاء من سورية وما جاورها من آسيا الصغرى، بل يئسوا من القسطنطينية نفسها وهموا مرات بنقل العاصمة منها إلى صقلية، وتركها العاهل قنستانز فعلًا (سنة ٦٦٨م)؛ ليقيم له عاصمة في صقلية، فأوشك أن يقيمها لولا أنه قتل في سرقسطة!

واقترنت بهزيمة الروم في سورية هزائم شتى وشواغل متفرقة أيأستهم من الغلبة على الدولة الإسلامية، ومن هذه الشواغل حرب الشعوب السلافية ومحالفتهم للمسلمين في بعض الوقائع بآسيا الصغرى، ومنها الشقاق بين الكنيستين الشرقية والغربية، ومنها انقسام الأسطول بين قيادتين إحداهما للعاصمة والأخرى للولايات المتفرقة.

وربما كان اسم الدولة الإسلامية في إبان الفتح حماية لها تقوم في ترويع خصومها مقام العدد والحصون، ولا أدل على ذلك من سلامة هذه الدولة في عهد معاوية الثاني الذي اعتزل الحكومة، ولزم داره كما جاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي «أربعين يومًا، وقيل: شهرين، وقيل: ثلاثة أشهر …»

قال السيوطي: «ولم يخرج إلى الباب ولا فعل شيئًا من الأمور ولا صلى بالناس.» ولما خلع نفسه قال: «أيها الناس ضعفت عن أمركم فاختاروا من أحببتم، ثم احتضر وهو في نحو العشرين فسألوه أن يستخلف أخاه خالدًا، فقال: ما أصبت من حلاوتها فلِمَ أتحمل مرارتها؟»

ولم يتفق المسلمون على خليفة بعد معاوية الثاني حتى قام عبد الملك بن مروان بالأمر سنة ثلاث وسبعين … أي: بعد تسع سنين.

ودولة تسلم من بيزنطة تسع سنين وهي بغير خليفة متفق عليه لا يبلغ من خطر عدوها أن يحتاج الدفاع عنها إلى قدرة خارقة من ولي الأمر فيها، وقد سلمت من ذلك العدو سنين قبل ذلك بين مقتل عثمان ومقتل عليٍّ، ولم يكن بين المقتلين يوم سلام واستقرار من الحجاز إلى الجزيرة إلى الشام إلى مصر، وما يليها من إفريقية الإسلامية.

والثابت المعروف أن الدفاع عن الشام إنما استحصد،1 وتوطد قبل استقلال معاوية بولايتها في أيام عثمان، وأن الدفاع الأكبر عنها بعد ذلك إنما كان يتولاه من قبل الشرق

ولاة الجزيرة، ومن قبل الغرب ولاة مصر وإفريقية، وعندهم الجند والسفن ولهم الصلة

  1. استحصد: استحصد الزرع حان له أن يحصد، والحبل استحكم فتله.
28