صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/25

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
معاوية بن أبي سفيان

فلما بويع عثمان بالخلافة تركه في مكانه، وضم إليه سائر الشام كما تقدم، وطلب منه معاوية أن يرخص له في زرع الأرض التي تركها أصحابها وهاجروا إلى بلاد الروم فأجابه إلى طلبه، ووضع معاوية يديه على موارد من المال تقوم بأعباء دولة، ولم يكن يخشى عليها من الحساب ما كان يخشاه على عهد عمر بن الخطاب، وأوشكت الشام أن تقوم وحدها مملكة مستقلة يتولاها ملك مستقل، فيما عدا الأوامر التي كانت تأتيه من المدينة بتحصين الثغور، وإمداد الغزاة، وتسيير الجيوش إلى الأطراف بقيادة الأعلام من الصحابة.

وقتل عثمان فانقسمت الرقعة الإسلامية قسمين: أحدهما لا خلاف فيه وهو الشام «حصة معاوية»، والآخر لا وفاق فيه وهو حصة علي من الحجاز والعراق، وقد تدخل مصر فيها حينًا، وتخرج منها أكثر الأحايين.

وتولى معاوية بلادًا لا ينازعه فيها منازع، ولا يود أحد فيها أن تخرج من يديه وتئول إلى غيره.

وتولى علي بلادًا كلها نزاع من أمر الخلافة إلى أصغر الأمور، فنازعه الخلافة طلحة والزبير، وأحاط به رهط من المتزمتين المتفقهين يسألونه عن الكبيرة والصغيرة، ويجتهدون اجتهادهم في كل شأن من شئون السياسة.

وهذا إلى الفارق بين وفرة المال من جانب وندرته من الجانب الآخر.

وهذا إلى فارق آخر أكبر وأعسر وأعضل على الحل والمحاولة، وهو الفارق بين الملك والخلافة، وقد افترقت طريقاهما منذ سنين، وتم افتراقهما بعد أيام عثمان.

فكانت أعباء الخلافة كلها على عليٍّ، وكانت أحوال الملك كلها على معاوية مواتية له محيطة به فيما يريد وفيما لا يريد. كان الناس مع علي ينظرون إلى سنة النبي، وسنة الصديق، والفاروق من بعده، وكان الناس مع معاوية ينظرون إلى هرقل وكسرى، ولا يسومونه1 أن يحكم كما حكم النبي، أو كما حكم من بعده الخليفتان الأولان …

وكان لا بد لعلي — كما قلنا في عبقرية الإمام — من ملك أو خلافة … ولن يكون ملكًا بأدوات خليفة، ولا خليفة بأدوات ملك، ولن تبلغ به الحيلة أن يحارب رجلًا يريد العصر والعصر يريده؛ لأنه عصر ملك تهيأت له دواعيه الاجتماعية، وتهيأ له الرجل بخلائقه

  1. يسومونه: سام فلانًا الأمر كلفه إياه وألزمه.
24