صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/24

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
تمهيدات الحوادث

معاوية حيث بقي إلى ما بعد خلافة الفاروق، وكان يعمل برئاسة أخيه قبل موته ويحمل اللواء بين يديه.

ومن بني أمية من كاد يصرح بالطمع في الملك بعد رسول الله على عهد الصديق؛ إذ كان من أبناء عمرو بن سعيد بن العاص خلف على الولاية التي ولاها إياه النبي — صلوات الله عليه، فلما بويع أبو بكر بالخلافة أنفوا أن يعملوا له، وقالوا: «نحن أبناء بني أحيحة لا نعمل لأحد بعد رسول الله أبدًا …»

ولا يقول هذا القول إلا من يطلب الرئاسة لنفسه، ولا يقر بالرئاسة لغير ذي نبوة أو رسالة إلهية، وينظر إلى الخلافة نظرة دنيوية لا تفاضل فيها بصفة من صفات الدين، وسابقة من سوابق الهداية.

وكان الفاروق قد ولى معاوية ولاية من الشام، فضم إليه عثمان سائر الشام وألحق به أقاليمها من الجزيرة إلى شواطئ بحر الروم، فلما قتل عثمان كان قد مضى لمعاوية في ولاية الشام عشرون سنة، لم يبقَ فيها من ينازعه أو يعصيه، ولم يكن من عمالها وحكامها المرءوسين له أحد من غير صنائعه وأشياعه والمستقرين في كنفه؛ لأنه حرص في ولايته على استبقاء من يواليه، وإقصاء من يشغب عليه، وجعل همه الأكبر أن يخرج أهل الفتنة من الشام، ولا يبالي بعد ذلك ما صنعوا في سائر الولايات، فتفرقوا كلهم بين الكوفة ومصر والحجاز.

كان عثمان يسمع الأقاويل عن ولاية الشام، ويتلقى الشكايات ممن يطلبون منه عزل ولاته وأولهم معاوية، فيعتذر لهؤلاء الشاكين بعذره المعهود، ويقول لهم: إنه إنما ولى على الشام من ارتضاه قبله عمر بن الخطاب … وقال ذلك مرة لعلي بن أبي طالب، فقال له علي: «نعم، ولكن معاوية كان أطوع لعمر من غلامه يرفأ.» وصدق الإمام فيما قال. فقد كان معاوية يصطنع الأبهة في إمارته، ويقتصد فيها جهده بعيدًا عن أعين الفاروق، فإذا لامه الفاروق على شيء منها رآه بعينه اعتذر له بمقامه بين أعداء ألفوا الأبهة، واتخذوها آية من آيات القوة والمنعة، وكان يؤدي حساب ولايته لعمر كلما سأله الحساب، ويقنع منها برزقه من بيت المال ألف دينار في العام، وأنفال1 مما يجمعه من تجارة أهله أو مما وراء الحساب.

  1. أنفال: جمع نفل، بفتحتين: الغنيمة والهبة.
23