صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/19

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
معاوية بن أبي سفيان

له التعظيم علينا؛ لأنه يعنينا ويستحق إكبارنا، ويرتفع إلى المكانة التي تلحظها الإنسانية بأسرها، وتعود عليها في منافعها وخيراتها.

فكل عظيم قدير …

ولكن ليس كل قدير بالعظيم …

والعظمة قدرة وزيادة …

أما القدرة فليس من اللازم أن تكون عظمة، فضلًا عن أن تكون عظمة وزيادة، ومعاوية قدير ولا ريب …

أما أنه عظيم فذلك الذي نعرض له في الصفحات التالية؛ لنبين فيها الفارق بين القدرة والعظمة، في ترجمة رجل من أنفع الرجال النابهين لتوضيح هذا الفارق بميزان الحوادث وميزان الأخلاق.

ومن سرف القول أن يقال إن معاوية لم يكن يعمل بباعث من الغيرة الدينية، أو بباعث من أحكام المروءة والعرف المتبع في الأخلاق.

فليس في وسعه أن يتجرد من هذه البواعث لو أراد، وليس في وسع رجل أسلم على يد النبي — عليه السلام — وصاحبه، وعمل على أيدي الجلة من صحابته أن يغفل عن غيرة دينه، وأحكام فرائضه، وواجبات المروءة في عرف زمنه …

إلا أننا ـ مع العلم بغيرته الدينية في شعوره وفعاله ـ نستطيع أن نعلل جميع أعماله بعلة المصلحة «الذاتية» أو مصحلة الأسرة والعشيرة.

ونستطيع أن نعمم القول بغير استثناء على كل مسعى من مساعيه، وكل حيلة من حيله وكل مأثرة من مآثره، فنقول: إن المصلحة الذاتية أو مصلحة الأسرة والعشيرة كافية لتعليلها والقيام بها، وإنه لم يعارض المصلحة الذاتية بإرادته في حين واحد، وعارض المصلحة العامة في أحيان، كان رجلًا قديرًا ولكنه لم يكن بالرجل العظيم.

ومهمة المؤرخ في سيرته أن يقدر قدرته، وأن يعرف ما اقتدر عليه بسعيه وتدبيره، وما اقتدر عليه بمساعدة الزمن وممالأة الحوادث والمصادفات ...

وهذه المهمة تتقاضانا «أولًا» أن نجمل القول في جميع التمهيدات التي مكنته من الاقتدار على مقاصده، ومنها ما كان سابقًا للإسلام وسابقًا لمولده، ومنها ما تم قبل ملكه، وما تم في أثناء ملكه إلى بعد موته ...

وتتقاضانا هذه المهمة «ثانيًا» أن نزن المواهب العقلية والخلقية، التي اشتهر بها وأسند إليها ما أسند من أسباب نجاحه.

١٨