صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/129

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

معاوية بن أبي سفيان

نكص1 بالملك خطوات، وكان في ميسوره أن يتقدم به خطوات تزيد عليها، مع ما بین الخطوة الناكصة والخطوة المتقدمة من بون بعيد.

لم يكن في ميسوره أن يديم على الدولة خلافة خلافة الصديق أو الفاروق، ولكن كان في ميسوره أن يجنبها الكسروية والهرقلية، وأن يجعل للخلافة أثرا باقيا في ولاية الأمر، إن لم يصمد على سنة الراشدين لم يصمد على سنة الملك العقيم، ولو أنه أنشأ هذا الملك في الدولة الإسلامية والناس لا يعرفون غيره لخف نصيبه من اللوم، وهان حق التاريخ وحق العالم الإسلامي، والعالم الإنساني عليه.

غير أن الناس عرفوا في زمانه فارقا شاسعا بين ولي الأمر الذي يتخذ الحكم خدمة للرعية، وأمانة للخلق والخالق، وشريعة لمرضاة الناس بالحق والإنصاف، وبين الحكم الذي يحاط بالأبهة، ويجري على سنة المساواة ويملي لصاحبه في البذخ والمتعة، ويجعله قدوة لمن يقتدون به في السرف والمغالاة بصغائر الحياة، كان الرجل من النصحاء يدخل عليه كأنما يبكته فيسلم عليه بالملك، ولا يسلم عليه بالخلافة.

وتتابع عليه في أيامه الأولى من يقول له: السلام عليكم أيها الملك، فكان ينكر الاسم ولا ينكر السمة، إلى أن تنازعه الخيار بين ترك السمة أو التمادي فيها، فتمادي فيها وقال جهرة لمن حوله: نعم أنا أول الملوك!

وتبعته فيما شجر2 بعده من خلال توازن تبعته في هذا الخروج بولاية الأمر من روع الخلافة إلى أبهة الهرقلية والكسروية. فما كان من المعقول، ولا من طبائع الأمور، أن تبذر في الأرض كل تلك البذور من جراثيم التفرقة، ثم تسلم الدولة من عقابيلها أو تظل التفرقة سندا لصاحب الأمر مثات السنين، كما كانت المعاوية سنوات معدودات. تبعات يحسب حسابها العسير إن كان للتاريخ جدوى يحرص عليها، وكان لشرف الذكر وزن يقام. وليست جدوى التاريخ هنا كلمة مدح تنقص أو تزاد، وإنما جدواه أن يصان الذكر عن الابتذال، وهو أشرف ما تملكه الإنسانية من تشريف أبنائها في الحياة وبعد الممات،

فلا يباح عرض الإنسانية لكل من يملك طعاما يملأ به البطون أو ما يملأ به الجيوب،

  1. نكص: نكص فلان عن الأمر أراده ثم رجع عنه.
  2. شجر: شجر بينهم الأمر: تنازعوا فيه.

128