صمیم الا يحضر وفرق كذلك بين العرب والموالي، وأوشك أن ينكل بالموالي؛ ليقصيهم عن مناصب الدولة وعن الإقامة في عواصمها؛ لأنه كان يعلم أن العرب يلوذون برؤسائهم، ولا رؤساء الموالي يلوذون بهم في نقمة أو مظلمة. وانفتح للموالي بذلك باب اللياذ بأصحاب المذاهب والدعوات؛ لأنهم رءوسهم دون الرءوس، وقادتهم دون القادة، فلم يكن داعية من الدعاة يجهر بمذهب معقول أو غير معقول إلا ألفي إلى جانبه جموعا من الموالي تصغي إليه، ووافق ذلك أن الخوارج من العرب كانوا يدعون إلى مذهب في الخلافة يوافق الموالي في كل أمة؛ لأنه مذهب الخلافة في النسب ولا في قريش، ولا يرى لها شرطا غير التقوى والصلاح، فتفرق الموالي بين الخوارج والشيعة، ونصروا هؤلاء تارة وهؤلاء تارة أخرى؛ لأنهم جميعا يحاربون بني أمية. واتبع هذه الخطة - خطة التفرقة بين أهل الشام الذين تمهدت له ولايتهم من قبل الإسلام، فاستخلص لنفسه فرقة منهم لا تخرج من الشام ولا تلتقي بأحد من دعاة العراق أو الحجاز أو مصر أو إفريقية، ثم نقل إلى الشام طوائف شتى من غير أهلها، فنقل إليها طوائف الزط والسيابجة من البصرة، ونقل إلى الأردن وصور طوائف من الفرس والموالي، ونقل إلى أنطاكية أساورة الموانئ بالعراق، وخلط العرب بالعجم، وهؤلاء بسلالة الشاميين في كل بقعة من بقاع البلاد التي عرفت من قديم باسم البلاد السورية. ولم يستطع أن يستخلص قبيلة بني كلب كلها؛ لأن منهم أصهار عثمان وبيت مروان، فاستخلص منهم أخوال يزيد، وأصبحوا بعد ذلك فريقين: فريق يدعو إلى خالد بن يزيد، وفريق يدعو إلى مروان. وواضح من هذه التفرقة أنه كان يكف يده عن البطش والنكاية في معاملتهم جميعا على اختلاف النسب والمقام؛ لأنه كان يغري بعضهم ببعض فيستغني بالوقيعة بينهم عن الإيقاع بهم، ولكنه على هذا كان يؤيد سياسة الإيقاع مهما يكن من قسوتها وغلظتهاء كما أيدها أقسى الولاة وأغلظهم في زمانه وبعد زمانه، وكان يختار لها من يعلم أنه يفرط فيها، ولا يقتصد في شرورها وموبقاتها، ولا يبالي أن يأخذ البريء بذنب الأثيم،
- أساورة: جمع أسوار، وهو قائد الفرس.