صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/118

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
الأعمال

فهذا التحكيم لم يكن ليبدل تلك العواقب على أية نتيجة من النتائج انتهى إليها، سواء اتفق الحكمان على خلع علي ومعاوية معا، أو اتفقا على خلع أحدهما دون الآخر، أو لم يتفقا على شيء ففي كل حالة من هذه الحالات، كانت العواقب صائرة إلى ما صارت إليه بلا اختلاف، وكان المعسكران يمضيان في طريقهما الذي مضيا فيه، فلا يسلم أحدهما لصاحبه برأي يمليه عليه الحكمان متفقين أو غير متفقين. إنما وقعت الواقعة الحاسمة بمقتل علي - رضوان الله عليه دون صاحبيه، ثم آلت خلافته إلى ابنه الحسن في معسكر مضطرب بين الخوارج والشيعة والموالي والأتباع الذين لا يعملون عمل الأتباع طائعين، ولا يعملون عمل الرؤساء مقتدرين مضطلعين، وورث الحسن معسكرا لم يطل عليه عهد الولاء لأحد قط؛ ليناضل به معسكرا لم يقع فيه خلاف قط منذ الفتح الأول، إلا الخلاف الذي كان يريده معاوية ويعمل له؛ حذرا من مغبة الاتفاق عليه. ولما امتنع طلب البيعة لغير معاوية بويع معاوية وحده، أو بقي معارضوه متفرقين لا يلوذ فريق منهم برئيس يرشح نفسه لخلافة أو ينهض لها بحجة، فترك هؤلاء المتفرقين في العراق يضرب بعضهم بعضا، أو في الحجاز لا يعملون شيئا غير الترقب والانتظار. ولا شك أن معاوية قد استفاد في إمارته . - منذ اللحظة الأولى - من كل نظام مفيد في حكومة الشام، فأبقى ما لا غنى عنه من نظم الإدارة، وتوسع فيه وزاد عليه، وأبطل ما لا هابد أن يبطل مع الدولة المتبدلة والدين الجديد. وقد وكل الإدارة المالية إلى القائمين بها في أيام الدولة البيزنطية، وعلى رأسهم سرجون بن منصور، ثم ابنه منصور بن سرجون، ووكل الإدارة الكتابية إلى عبد الله بن أوس الغساني من وجوه الغساسنة أصحاب الملك القديم في الشام، ونظم البريد وتوسع فيه؛ للاطلاع على أخبار الأقاليم وإبلاغ الأخبار إليها على انتظام وترتيب، وأنشأ ديوان الخاتم لمراجعة الحساب بين العاصمة والولايات، وعزز بناء الأسطول بتجديد مصانع السفن في عكا، واستجلب من فارس كل عامل نافع في مسائل الخراج والإحصاء، وغني بتسجيل المواليد والوفيات لتقسيم الأعطية والأرزاق، وجعل للجند عملا يصرفهم عن

البطالة والشقاق، فداول بينهم وبين مواعيد الصوائف والشواتي وهي مواعيد الحراسة

117