الذريعة قبل استقلاله بالخلافة، فما كان له من مسوغ يتعلل به غير مقتل عثمان يرد له في كل حديث، وفي كل خطاب وفي كل جواب، وينكر عليه بعض صحبه أن يمنع عليا وأصحابه الماء في وقعة صفين، فيجد المعذرة له في صنيعه أنه يمنعهم الماء، لأنهم منعوا عثمان الماء وهو محصور واستند إلى آية من القرآن الكريم فسرها برأيه؛ ليقنع أنصاره بأنه على حق وأنه منصور، وهي قوله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد كلتا يوليه شلطائا فلا يشرف في القثلي إنه كان منصورا . وعلى قدر اللهج بهذه الفاجعة قبل استقلاله بالخلافة سكت عنها وأغفلها . بعل ذلك، فلم يعد إليها قط إلا ليعتذر إلى قرابة الخليفة المقتول من سكوته وإغفاله. وينبغي هنا أن نذكر أن معاوية لم يكن بحاجة إلى قدرة خارقة، لإثارة الشام باسم الخليفة المقتول؛ فإن عثمان كانت له مصاهرة في بني كلب أكبر قبائل البادية في الشام، وكانت زوجه نائلة بنت الفراقصة تصف مصرعه في رسائلها، وتبعث بقميصه المخضب بالدم وأصابعه المبتورة، فترفع على المنبر حيث يراها شهود المسجد في كل صلاة، وكان جند الشام بعيدين عن معمعة الفتنة، لم يسمعوا صوتا من أصوات الثورة على الخليفة المقتول، ولا حجة من حجج | السخط على حكمه، وكانوا بين معسكرين أقربهما إليهم وإلى عملهم معسكرهم في ولاية معاوية، ومنهم طائفة كان يستبقيها لديه ولا يأذن لأحد منها أن يبتعد من جواره برهة إلى معمعة الفتنة؛ مخافة عليه من الاستماع لحجج المخالفين، فيداخله الشك في دعوته ودعواه. ولم ينته معاوية في نزاعه لعلي إلى موقف فصل، بالحرب أو بالسياسة، ففي وقعة صفين حلت الهزيمة بجيشه ليلة الهرير، وأيقن بسوء العاقبة إذا استمرت مدة القتال، فأشار عليه عمرو بن العاص بحيلة المصاحف، فرفعوها في اليوم التالي ونادوا بالتحكيم إلى كتاب الله، فاختلف جند الإمام واضطر في جنده المختلف إلى قبول التحكيم. ومن المؤرخين من يبالغ في خطر التحكيم، ويجعل له شأنا في عواقب النزاع لم يكن له ولا كان من المعقول أن يكون له بحال.
! معمعة: صوت الأبطال في الحرب، وشدة القتال، والفتنة العظيمة.