وعلى هذا، كان العراق – أو كانت الجزيرة كلها – أطرافا مهملة في أيام الدولة الفارسية،
فلم يكن لها نظام من نظم الإدارة المتناسقة يسير عليه الحكم كما سارت الحكومة
الإدارية في الشام، ولم تتضح علاقات الحاكمين بالمحكومين في أنحائها، كما اتضحت مع
المعاهدين الذميين.
وأعضل من ذلك كله بين مشكلاتها أن الفتح الإسلامي قد جاءها بمجتمع مختلف
منقول إليها بحذافيره من سادته وقادته إلى سوقته ومواليه
فقد انتقل إليها رهط من القادة وذوي الرئاسة ليقيموا فيها، ويزرعوا الأرض،
ويجروا بين أنحائها، وعاش إلى جانبهم ألوف من الجند المقيمين والجند العاملين،
وكلهم لهم أعطية من بيت المال، يعطاها من عمل في الفتوح الأولى ومن يعمل في الغزوات
التالية، وكان تقسيم الأعطية مشكلة من مشكلات هذا المجتمع المنقول، فمن بقي .
عامد
يستكثره على سابقيه من المجاهدين المقيمين، وأعطية بيت
المال تأتي كلها من المدينة، أو تصرف كلها بتقديرها، ويلام الولاة في نظر الجند؛ لأنهم
لا يفرقون في الإحصاء والتقدير بين الفريقين، ویلامون لأنهم يعيشون بين أقربائهم
وعشيرتهم ويتعرضون لشبهات المحاباة بالحق أو بالباطل، ولا تنقطع الشكاية من
الولاية، إلا ريثما يعزل واحد منهم ويتلوه خلف له أخذ في العمل، فيأخذه القوم كرة
أخرى بالتهم والشبهات.
وقد ثقلت أعباء هذه الشكايات على كاهل الفاروق وهو في هيبته وعزمه، واقتداره
على فض المنازعات، فلم يكن يرى في جوانب المسجد مغموما إلا علم أصحابه أنه مشغول
بشكاية من شکایات الرعية أو الجند في العراق.
اله
في الغزوات يحسب
وبدأ معاوية أعماله العامة في الشام وهي بتلك الحالة من الاستقرار بالقياس إلى جميع
الولايات الإسلامية ري، وجاء عمله فيها تدريجيا من معاونته لأخيه يزيد إلى قيامه
على ناحية من الشام خلقا له إلى قيامه على الشام كلها في أيام عثمان، فكان كل عمل
من هذه الأعمال بمثابة «فترة تمرين» للعمل الذي يليه ويزيد عليه في السعة والتكليف،
وكانت الأعمال «الحربية» أو أعمال التحصين يتولاها من حوله رجال من صناديد الحرب
كعبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن خالد، فلم يقم قط بقيادة حربية مستقلة وصل بھا
إلى نتيجة حاسمة أو ناجحة.
ثم نشبت الفتنة الوبيلة في خلافة عثمان وهو بمعزل عنها، وقتل عثمان فاتخذ من
مقتله ذريعة للخروج على الإمام علي وإنكار بيعته، وأسرف كل الإسراف في التذرع بهذه