صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/115

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
معاوية بن أبي سفيان

ساحل رتبوا فيها قدر من يحتاج لها من المسلمين، فإن حدث في شيء منها حدث من قبل العدو سربوا إليها الإمداد.»

فانتظمت معاقل الدفاع عن الشام على شواطئها وعند أطرافها، وأحيطت من كل جانب بالمدافعين عنها من جند الدولة الإسلامية في الشرق والشمال والجنوب.

ولا نحذرن شيئا كما ينبغي أن نحذر الإشاعات التي نسميها بالإشاعات التاريخية، ومن قبيلها إشاعة الضعف عن عثمان بن عفان - رضوان الله عليه - فقد جنت هذه الإشاعة على النقد التاريخي، حتى خيل إلى الناس أنه لم يعمل عملا قط أتسم بالقوة أو خلا من الضعف، وهو إسراف في الرأي كإسراف جميع الإشاعات من قبيلها؛ لأن سياسة عثمان البحرية كانت أقوى السياسات، وكان فيها قدوة لمن بعده، ولم يكن مقتديا بأحد قبله، ونحسبه عرف خطر الشواطئ والموانئ من عمله في التجارة، فأصلح ميناء جدة في الحجاز، ولم يغفل لحظة عن الشواطئ المفتوحة في إفريقية ومصر والشام، ولا يقال عن حملة واحدة من حملات البحر: أنه كان مسوقا إليها برأي غيره، فإنه هو معلوم من سبق معاوية إلى الاستئذان في فتح قبرص أيام الفاروق - لم يأت العزم الأكبر في هذه الحملة إلا من جانب عثمان، إذ كتب إلى معاوية يستوثق من جده في فتح هذه الجزيرة وتأمين الملاحة حولها، فأمره - كما جاء في البلاذري - بأن يركب البحر إليها ومعه أمرأته «فإن ركبت البحر ومعك امرأتك، فاركبه مأذوا لك وإلا فلا.» كانت هذه حال الشام يوم تولى معاوية إقليما منها على عهد الفاروق، ثم تولاها جميعا على عهد عثمان. وبخلاف ذلك، كانت حالة العراق من جميع الوجوه، فلم تكن فيها معاهدات دمية تدين الرعية، ولم تكن حدودها الشرقية والشمالية آمنة كل الأمان في زمن من الأزمان، من البصرة، إلى أرمينية، إلى خراسان - عرضة للحملات والفتن في كل آونة وكانت الدول الإسلامية لا تفرغ لها كل قوتها كما أفرغتها للدفاع عن الشام أمام الدولة البيزنطية، لأن دولة فارس ذهبت بذهاب ملكها، فلم يحسب لها المسلمون حساب القوة المتجمعة، وسلكوا فيها مسلك التأهب للمفاجآت الطارئة من هنا وهناك، وليس فيها ما يشغل بال دولة في مواجهة دولة أخرى. فكانت ربوا: سرب و الماء: أساله، وإلى فلان الشيء: أرسله.

114