صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/114

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.


الأعمال


منذ الفتح الإسلامي لم يعزل والي واحد من ولاة الشام لشكاية الرعية منه، ولم يتول العراق والي واحد لم يعل للشكايات الكثيرة، التي كانت تتقاطر على دار الخلافة من رعيته.

ويزول العجب بعض الشيء إذا نحن قسمنا القطرين قسمين آخرين: قسم هو حصة الدولة البيزنطية، وقسم هو حصة الدولة الفارسية.

فالشام التي كانت حصة الدولة البيزنطية كانت طويلة العهد بالنظم الإدارية والحكومية، وكانت فيها مدن من عواصم الدولة الكبرى، وعليها رؤساء من المميزين في الدولة بشارات السياسة والدين، وقد فتحها المسلمون على شروطهم المحدودة للذميين المعاهدين؛ لأن أهلها كانوا جميعا من أهل الكتاب، فلما استقر الأمر للدولة الإسلامية فيها بعد زوال الدولة البيزنطية، لم تكن من جانب الرعية مقاومة إجماعية، ولم يكن على شروط المعاهدة خلاف بين الحكام والمحكومين. و كانت الشام كذلك أقرب إلى الاستقرار؛ لأن حدودها جميعا كانت في بلاد الدولة الإسلامية، إلا الجانب الذي يلي تخوم الدولة البيزنطية، ولم يكن منه خطر كبير بعد صدمة الهزيمة الكبرى التي مني بها هرقل، وودع بعدها تلك البلاد وداع الأبد، وكان كل خطر من هذا الجانب - عظم أو صغر - تتلقاه الدولة الإسلامية بجيوشها البرية وأساطيلها البحرية في جملتها، فلم تكن الشام منفردة بالدفاع إذا هجم الروم برًا أو بحرا، بل كانت الولايات من إفريقية ومصر، ومن الجزيرة في بعض الأحايين تتجمع لدفع الهجمات أو لاتقائها قبل وقوعها.

وكانت سياسة عمر في تمكين الفتوح وتحصينها أنفع السياسات للشام خاصة؛ إذ كانت خطته كما جاء في فتوح البلدان للبلاذري أنهم «كلما فتحوا مدينة ظاهرة، أو عند