صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/113

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

بعل معاوية بن أبي سفيان انظر مثلا إلى حيلة طبعه حين أراد أن يبرأ إلى الله من أخذ البيعة بعده لابنه يزيد، قال في إحدى خطبه: «اللهم إن كنت إنما عهدت ليزيد لما رأيت في فضله فبلغه ما أملت وأعنه، وإن كنت إنما حملني حب الوالد لولده، وإنه ليس لما صنعت أهد فاقبضه قبل أن يبلغ ذلك .» وكأننا به يسائل نفسه ذلك: «ماذا بقي من التبعة علي في عقابيل هذه البيعة؟ غاية ما أرعی به حق الله في أمر ولدي الذي أحبه أن أسأل له الموت إن كان غير أهل لولاية العهد بعدي، فإن كان الله قد أبقاه ولم يقبضه، فقد صنعت ما يستطيعه والد يظن بينه وبين نفسه أنه قدم حب ولده على رعاية حق ومن حيل الطبع في خطبته الأخيرة قوله: «إن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، اللهم إني أحببت لقاءك فأحبب لقائي.» حجة مقبولة عند الله، مخلوق يحب أن يلقى خالقه، فالله يحب أن يلقاه واختلاف طبائع الناس في الدين على غير وعي منهم لا معنى له إلا أنهم يتدينون على حسب طبائعهم، وليس معناه أنهم يناقضون الدين ولا ينطوون في بواطنهم عليه. ومن تحصيل الحاصل أن يقال: إن معاوية يعلم من رجل كتب للنبي، وحضر مجالسة، وحضر عهده كله، وعهد خليفته من بعده، ومرت به الأقضية التي فصل فيها ولاة الأمر على مسمع منه، وراجع الفقهاء من الصحابة فيما أشكل عليه بعد ذلك من أشباه تلك الأقضية، فهو على نشأته الجاهلية والإسلامية لم يقصر في معارف دينه ودنياه عن الطليعة بين نظرائه من السادة الأمويين والقرشيين. فقه دينه ما لا أن يعلمه