صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/108

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
النشأة والتكوين

الله رب العالمين على ما أحببنا وكرهنا، وقد كان فيما قضاه الله أن ساقتنا المقادير إلى هذه البقعة من الأرض، ولفت بيننا وبين أهل العراق، فنحن من الله بمنظر، وقد قال الله سبحانه وتعالى: «ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد» أنظروا يا أهل الشام؟ إنكم غدا تلقون أهل العراق، فكونوا على إحدى خصال ثلاث: إما أن تكونوا طلبتم ما عند الله في قتال قوم بغوا عليكم، فأقبلوا من بلادكم حتى نزلوا بيضتكم، ۱۷ وإما أن تكونوا قوما تطلبون بدم خليفتكم وصهر نبيكم، وإما أن تكونوا قوما تذبون عن نسائكم وأبنائكم، فعليكم بتقوى الله والصبر الجميل، وأسألوا الله لنا ولكم النصر، وأن يفتح بيننا وبين قومنا بالحق، وهو خير الفاتحين.» ۱۷ وهذه خطبة ربما أضيف إليها بعض العبارات المستحدثة بعد عصرها، كالمقابلة بين العلو والدنو، وبين القضاء والقدر، ولكنها فيما عدا ذلك لا تستغرب من زمانها ولا موضعها، وقد خطب معاوية لا شك في ذلك، وما بقي من خطبه غير مستغرب من زمانه وموضعه، فهو في طبقة هذه الخطبة وعلى نهجها، ومنه آخر كلامه قبل موته حيث قال: أيها الناس، إن من زرع قد استحصد، وقد طالت عليكم إمرتي حتى مللتكم ومللتموني، وتمنيت فراقكم وتمنيتم فراقي، وإنه لا يأتيكم بعدي إلا من هو شر مني، كما لم يأتكم قبلي إلا من كان خيرا مني، وإن من أحب لقاء الله أحب اللهم إني أحببت لقاءك فأحبب لقائي. وتحفظ له الكلمات من جوامع الكلم ومن التعبير الموثق الجميل، ولكنها غير كثير، فمنها قوله: «إن السلطان يغضب غضب الصبي، ويبطش بطش الأسد.» وقوله: «لو كان بيني وبين الناس شعرة ما أنقطعت، أرخيها إذا شدوها، وأشدها إذا أرخوها.» ودخل عليه عمرو بن العاص فرآه يرقص إحدى بناته، وكأنه لمح منه تعجبا لفعله، فنظر إليه وهو يقول: هذه تفاحة القلب. ... ۱۹ sy بيضتكم: بيضة القوم ساحتهم. ۱۸ تذبون: تدافعون ۱۹ المونق: من الكلام الحسن المعجب.

۱۰۷

107